كانوا قد قطعوا له عهدا بأنهم في يوم ما سيتركون له باب الزنزانة مفتوحا قبل الغروب بخمس دقائق وستغلق عند موعد الشمس الذبيحة تماما، وحينها يمكنه الخروج غير المشروط من سجنه المؤبد في ذلك اليوم الماسي الذي سيهبه له السجان حين يكون مزاجه رائقا.
مرت عدة شهور تلتها سنوات وهو قابع في الزاوية الرطبة العفنة من الزنزانة الضيقة التي تضاء بحزمة واهنة من أشعة الشمس المتسللة عبر كوة صغيرة أعلى الجدار المقابل لباب الزنزانة الحديدي.
كان يرقب الباب بعينين يسكنهما القلق والخوف والأمل تلك الدقائق الخمس قبيل الغروب ليزحف جارا جسده المتهالك عبر الباب الصدأ ناجيا من سنوات عذاب مؤبدة.
كان الأمل بالخروج من ذلك الباب يغزو سواد شعره حتى اشتعل رأسه شيبا،واستحوذ على كريات دمه فاحتلها بدل الأوكسجين فتحول دمه الى اللون الوردي الباهت،الأمل المزعوم وعد يغرز كل يوم كنصل سكين بارد بين ضلوعه الدافئة، خسر كثيرا من الكيلو غرامات من وزنه،التصق الجلد بالعظم الواهن،رسمت العروق الزرقاء خارطة على يديه وساقيه،ابيضت عيناه فصار باب الزنزانة ضبابيا ،كان يبحث عن الباب الذي فيه نجاته بعينين نصف منطفأتين فيبصر الباب وقد تحول إلى شق طولي كأنه فطر في الجدار ،
رائحة غاز الأمونيا المنبعثة من البول المتجمع في ركن الزنزانة تسربت عبر مسامات جلده المجعد،لكن الأمل في روحه لم ينطفئ،فقد وعدوه ، وهم صادقون لامحالة،يهمس لنفسه بالصبر والجلد لابد من الإنتظار ليوم موسوم بخمس دقائق قبيل غروب الشمس، يوم يولد فيه مرة ثانية،وهذه المرة سوف يكون حذرا ولن يرتكب الحماقات، سيحفظ كل اللوائح والقوانين ولن يرتكب مخالفة حتى لو كانت مرورية ،سيكون ذكيا في الحياة الثانية ولن يدخل هذه الزنزانة التي تسكنها الفئران والصراصير مرة أخرى.
الأمل يشعل فتيل الحياة في روحه وجسده الذي لم يتبق منه سوى الهيكل يستره جلد شاخ من كثرة الترقب لسنوات طويلة، وذات يوم وقبيل أن يتلطخ الأفق باللون الأحمر المنبعث من قرص الشمس الدامي فتح باب الزنزانة ودلف منه حارس السجن المسمى بالأجدع نسبة إلى أنفه المجدوع بسبب حبة كبيرة تلوثت فيما مضى والتهمت جزءا من أنفه ،كان الحارس يحمل طبق فيه طعام جاف وكسرات من الخبز اليابس ، نظر إلى السجين الجالس أمامه ،بدت له العينان مفتوحتان تنظران صوب الباب المفتوح بحدقتين جافتين ميتتين بخنحر الأمل،ووجه شاحب كوجه الأموات،وجسد خارطة عظامه جلية لاتحتاج إلى دليل ،لقد اعتاد حارس السجن على رؤية الأموات لكنه لم ير ميتا مثل هذا يستند بظهره إلى جذع الأمل الخاوي يطلب الرحمة من كاذب مراوغ.
عندها أخرجوه من ذلك الباب قبل غروب الشمس بخمس دقائق كما وعدوه ولكن كجثة هامدة مكفنة بالأمل.