واضح ان هناك حالة هوس اسرائيلي بسيناء لا يتوقف ..حالة تسيطر على العقل الصهيوني لا يشفى منها على مر التاريخ منذ ان ظهرت الفكرة الصهيونية وحتى الان .. كل قادتهم الصغار قبل الكبار تطاردهم احلام واوهام انشاء مستوطنات يهودية في سيناء او ايجاد موطئ قدم رغم الرفض المصري القاطع لها بكل وضوح وصراحة حتى وهي مجرد افكار في المهد..ومع ذلك لم يفقد الاوغاد للحظة الامل ولم يعدموا طريقة لطرحها وعرضها بكل السبل بما فيها الجهنمية منها بالتعاون والتواطؤ مع القوى الاستعمارية المهيمنة في اي وقت ..
ادهشني حجم وقوة الالحاح الصهيوني على قضية التهجير الفلسطيني الى سيناء مع معركة طوفان الاقصى وحتى بعد ان اعلن الرئيس السيسي صراحة وبوضوح وفي اكثر من مناسبة عامة وخاصة محلية او دولية رفض مصر القاطع للفكرة من اساسها مشددا على قدسية ارض سيناء وكل التراب المصري ..
فخلال معركة طوفان الاقصى لم تتوقف وسائل الاعلام الاسرائيلية والتابعة لها في الداخل والخارج عن طرح وعرض فكرة التهجير الى سيناء وتسريب اخبار يسمونها سرية عن طلبات ملحة من قادة الدول الغربية وامريكا ايضا للضغط على مصر لقبول فكرة التهجير وعرض المزيد من الاغراءات الاقتصادية وغيرها .. والعجيب في الامر انه كلما يزداد التأكيد المصري على الرفض تكثر التسريبات حول المشروعات الاسرائيلية والخطط المرسومة منذ عقود ويتم تطويرها في كل مرحلة وحتى الان رغم الرفض المصري القاطع في كل المراحل..
الموضوع اصبح مثيرا ويطرح المزيد من الاسئلة المهمة والقلقة ايضا حول جدوى ومغزى السلوك الاسرائيلي على هذا الصعيد خاصة بعد الفشل الذريع في تحقيق اوهام بناء مستوطنة واحدة في سيناء وضمان البقاء لها بعد نصر اكتوبر المجيد في العام 1973 ..
الامر المدهش من اين يستمد العدو الصهيوني كل هذا الصلف والغرور والتفكير في العبث بمقدرات الشعوب بل بالشعب الفلسطيني نفسه ومحاولات اقتلاعه من ارضه وطرده الى اراض لا سلطة للصهاينة عليها ويطلبون دعما دوليا لذلك والاشد غرابة ان يجد هؤلاء من يستمع لهم ويحاول الوساطة او على الاقل التدخل وعرض تلك الافكار المريضة والسخيفة على حد تعبير وزير الخارجية سامح شكري ..
هل استمرأ الكيان الصهيوني قاعدة من لا يملك اعطى من لا يستحق ويريد ان يطبقها ويتصرف على اثرها؟؟
السؤال الاهم وهو ما العلاقة بين غزة وسيناء والارتباط بينهما في اوهام الاحلام الصهيونية ؟ وكيف كانت مصر هي الصخرة التى تتحطم عليها كل المشروعات الخبيثة للصهيونية العالمية قديما والصهاينة المعاصرون ؟؟
الحقيقة ان الهوس الاسرائيلي بسيناء قصة طويلة يجب ان تروى وان تعرف الاجيال كل الاجيال حقيقة الالاعيب الصهيونية والحاحهم المستمر على العبث في المنطقة ومحاولات تشكيل ورسم خرائط وفق اطماعهم وتصوراتهم تحت غطرسة قوة المال والسلاح وبمساندة مريبة وغير شريفة من الدول الغربية خاصة الاستعمارية منها في القديم والحديث ..
الدكتور علي الدين هلال عرض لجانب مهم على هذا الصعيد في مقاله الاخير بعنوان: هرتزل ومشروع المستوطنة اليهودية فى سيناء.. أوضح فيه ان الفكرة قديمة وتعود إلى عامى 1902 -1903 عِندما أُثير مشروع إقامة مُستوطنة يهودية فى سيناء عندما وافق اللورد روتشيلدعلى طلب من هرتزل وإعداد مذكرة تتضمن السماح باستيطان قُرابة 25 ألف يهودى فى سيناء..
وقال د.هلال انه استفاد من المعلومات الواردة في الموضوع من رسالة دكتوراة أعدها د. مُعتمر أمين المُدرس بالجامعة البريطانية تحت إشرافه.
على صعيد اخر كشفت بريطانيا مؤخرا النقاب عن وثائق سرية حول اطماع وخطط اسرائيل لاقامة مستوطنات في سيناء وترحيل الاف الفلسطينين اليها في العام 1971.
فقد رصدت السفارة البريطانية في تل أبيب تحركات إسرائيلية لتهجير آلاف الفلسطينيين إلى العريش وحسب تقارير السفارة فإن الخطة شملت “النقل القسري” إلى مصر أو أراض أخرى لتخفيف حدة العمليات الفدائية ضد الاحتلال والمشكلات الأمنية التي تواجهه في القطاع.
وفي أوائل سبتمبر1971أسرّت الحكومة الإسرائيلية للبريطانيين بوجود خطة سرية لترحيل الفلسطينيين من غزة إلى مناطق أخرى على رأسها العريش المصرية.وقال إيرنست جون وورد بارنز السفير البريطاني أن الإسرائيليين يرون أن أي حل دائم لمشكلات ال “يجب أن يتضمن إعادة تأهيل جزء من السكان خارج حدوده الحالية”.وأكد لحكومته أن السياسة الجديدة تشمل توطين الفلسطينيين في شمال سيناء !!
** العلاقة بين سيناء وغزة في الفكر الصهيوني تكشف عنها بوضوح مباحثات السلام المصرية الاسرائيلية والمعارك الصعبة التى خاضها قادة الكيان بمساعدة امريكا للاحتفاظ حتى ولو بمستوطنة وحيدة في سيناء باي وسيلة حتى ولو تحت السيادة المصرية ويحكمها القانون اليهودي وهي احلام اجهضها الرئيس السادات ورفضها بشدة حتى وصلت مفاوضات السلام في كامب ديفيد الى حافة الهاوية..
ما حدث مع مستوطنة ياميت والتى دمرتها اسرائيل بالكامل قبيل اتمام انسحابها نموذج يستحق الدراسة والتامل الان وفي كل وقت لانه كان كاشفا لاشياء كثيرة في العقلية الصهيونية وما تريده للمنطقة وليس سيناء اوغزة والاراضى الفلسطينية..
كانت ياميت معركة دبلوماسية صعبة ارهقت الجميع ورغم ما بذل العدو وما مارسه من ضغوط واغراءات لتحقيق اي شيء ..الا انه ارغم على الانسحاب الكامل بعد ان تيقن بوضوح الا تفريط في حبة رمل من سيناء او غيرها..
دراسة مهمة اعدها الدكتور احمد عبد القادر استاذ التاريخ بكلية الاداب جامعة المنيا بعنوان:المستعمرات الاسرائيلية في سيناء
(1975-1982) مدينة ياميت نموذجا.. يعرض بالتفصيل والتحليل حكاية ياميت وما جرى في المفاضات بشأنها والدروس التى لقنها المفاوض المصري في كامب ديفيد للصهاينة ومن يشايعهم..
تكشف الدراسة عن حقيقة الفكرة الجهنمية لقادة الكيان في جعل سيناء بوابة للاجهاز على قطاع غزة والتهامه وضمها الى الكيان بصورة تبدو لا فكاك منها..وهو ما يكشف حقيقة مستوطنة ياميت والاصرار عليها ..فقد كانت المزاعم الاساسية لانشاء ياميت والمستعمرات المرتبطة بها هي الحاجة الى ادخال سدادة في عنق قطاع غزة بحجة ان ذلك ضروري لامن اسرائيل خاصة وان الدوائر السياسية الاسرائيلية صورت غزة على انها كطعنة خنجر في عمق قلب اسرائيل..وكانت ياميت مجرد ستارة للتوسع الاستيطاني وستارة كفاصل بين سيناء وغزة..والهدف الاساسي احداث تواصل اقليمي بين سيناء والنقب وعزل غزة عن شمال سيناء فجاء انشاء ياميت ضمن خطة المستعمرات المحيطة بغزة مثل عسقلان في الشمال وبئر السبع في الشرق وياميت من الغرب لمحاصرة القطاع والحد من توسعه.
وهذا ما يمكن للمتابع ان يكشفه بوضوح وهو يتابع مجريات حرب طوفان الاقصى والمصطلح الذي بات شهيرا مستوطنات غلاف غزة وهي بمعنى ادق مستوطنات تطويق وحصار غزة.
ولعل هذا ما يكشف جانبا من الاصرار القاتل على ضرورة تفريغ غزة وتهجير اهلها باي طريقة واي ثمن..والذي يدفع الاحتلال الى ارتكاب مجازر متتالية كل ساعة في غزة وسط صمت العالم..الجنون الاسرائيلي الاخير الاعمي لا يقوده الا هدف واحد ووحيد وهو الضغط المستمر على السكان ان يتجهوا جنوبا نحو الحدود المصرية ولم يجد العدو حرجا في الطلب اليهم صراحة وعبر كل الوسائل الاعلامية وغيرها ..العبور الى سيناء طلبا للامان رغم ان الطرق كلها الى سيناء مغلقة!!
لابد من الاشارة الى ان العدو اتبع العديد من الاساليب الملتوية لتهجير الفلسطينين الى سيناء خاصة في فترة الاحتلال وبعد حرب 67 وحتى ما قبلها ايام الانتداب البريطاني على فلسطين..وبالفعل قام بترحيل عدد منهم الى سيناء واقترح قادة الاحتلال تسكينهم في مساكن الضباط المصريين الجاهزة في العريش ورفح. وبالفعل تمكنت اسرائيل من نقل 322 اسرة فلسطينية (2522 فردا) الى العريش من بين 1638 اسرة تم تهجيرها من الاراضي الفلسطينية!
وكانت اسرائيل تحاول خداع العالم انذاك وتدعي ان الترحيل مؤقت لمواجهة المشكلة الامنية.. وقد رد على ادعاءات اسرائيل المستشار القانوني للخارجية البريطانية بانه لايمكن الثقة في حجة اسرائيل انها قادرة على اعادة اللاجئين الى منازلهم بينما هي من تدمرها بنفسها!
**وهناك ايضا ما عرف بخطة جبورا ايلاند مستشار الامن القومي الاسرائيلي الشهيرة والتى عرض فيها خطة مبادلة الاراضي في سيناء والنقب وتوسيع غزة او بمعنى ادق نقل اهالي غزة الى الارض المقترحة في سيناء ونقل اهل الضفة الى الاردن!
يبدو ان المكر والخداع والاستغلال والالتفاف على الاهداف لن يترك الشخصية الصهيونية وانها لن تتخلى عن اوهامها في البحث عن طريق يحقق اطماعها التوسعية ويفرض سياستها العنصرية..
فبعد ان رفضت مصر بشكل قاطع فكرة التهجيرالى سيناء عرضت اسرائيل فكرة التوطين في محافظات اخرى غير سيناء..وقالوا صراحة ان مصر فيها عشرة ملايين من اللاجئين من دول اخرى فلماذا لاتريد استقبال الفلسطينين؟! والطريف انهم جاهزون ولديهم مراكز ابحاث خاصة لترجمة تلك الاطماع وتقديم مقنرحات لتنفيذها.
لعل اخرها ما كشف عنه معهد “مسغاف” الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية دراسة اعدها “المحلل الإستراتيجي أمير ويتمان”بعنوان “خطة التوطين والتأهيل النهائي في مصر لجميع سكان غزة: الجوانب الاقتصادية” تقنرح توطين فلسطينيي القطاع في مدن مصرية من بينها القاهرة..
ويزعم ان هناك حالياً فرصة فريدة ونادرة لإخلاء قطاع غزة بالكامل في ظل السعي لخطة عمل فورية ومستدامة لإعادة التوطين والتأهيل الإنساني لجميع السكان العرب في غزة والتي تتوافق كما يقول بشكل جيد مع المصالح الاقتصادية والجيوسياسية لإسرائيل ومصر والولايات المتحدة والسعودية!
ولا اعرف حقيقة ما العلاقة بين المصالح الامريكية والسعودية التى يشير اليها بالموضوع ؟!
الوقاحة الاسرائيلية بلغت حد احصاء الشقق الحديثة في مصر في المدن الجديدة ولا مانع لديهم من تسليمها للفلسطينيين للاقامة فيها لتستريح اسرائيل من قلقهم وازعاجهم وتخلو لهم ارض غزة يقيموا عليها المستوطنات!
يرى ويتمان ان هناك 10 ملايين وحدة سكنية خالية في مصر لايزال نصفها تقريباً قيد الإنشاء والنصف الآخر تحت الإنشاء فمثلاً في أكبر مدينتين “السادس من أكتوبر” و”العاشر من رمضان” هناك كمية هائلة من الشقق المبنية والفارغة المملوكة للحكومة والقطاع الخاص ومساحات البناء تكفي لإيواء حوالي 6 أشخاص في الوحدة السكنية الواحدة ما يعني أنها قد تكفي لمليون نسمة” وهو نصف سكان غزة!
على مايبدو فان إسرائيل لن تشفى من حالة الهوس هذه حتى وان ضربها اكثر من طوفان!!ولا اعرف الى متى سيظل العالم يعاني من الاطماع والهلاوس الصهيونية ومن يستطيع ان يضع حدا لها ويريح العالم من شرورهم ؟!!
والله المستعان ..
megahedkh@hotmail.com