أن الانتخابات الرئاسية تعد نموذجاً حياً وممارسة عملية لحقوق الإنسان في مصر، حيث أنها تضمن الحق للمواطنين للتعبير بشفافية عن رأيهم، والمشاركة في انتخاب والتصويت لمن يمثلهم، وينقل صوتهم إلى أهمية تعزيز الديمقراطية، وهذا ما تجسده المشاركة الفاعلة من المواطنين في جميع الاستحقاقات الانتخابية. ويقصد بحق المشاركة السياسية، ذلك الحق الذي يتمكن المواطن من خلاله من المشاركة في إدارة شؤون بلده سواءً أكان ذلك بصورة مباشرة بتوليه المناصب العامة أم بصورة غير مباشرة عبر اختيار ممثليه بواسطة انتخابات دورية حرة ونزيه.
وتُعد المشاركة في العملية الانتخابية والحياة السياسية ركيزة أساسية للديمقراطية، حتى بات في الوقت الحاضر قياس مدى تطور أي نظام سياسي مرتبطًا بمدى وجود انتخابات حرة ونزيهة قائمة على أساس التعددية والمنافسة السليمة، وذلك لضمان حرية اختيار المواطنين لممثليهم.
ويُعد حقّا الانتخاب والترشح من أبرز الحقوق السياسية التي أقرتها المواثيق والإعلانات الدولية والدساتير الوطنية في الوقت الحاضر. وتبرز أهمية المشاركة في الحياة السياسية والعملية الانتخابية خصوصًا باعتبارها السياج الأمين للديمقراطية، كما أنها تنمي لدى الفرد إحساسه بذاته وثقل وزنه السياسي، وتنهض بمستوى وعيه السياسي والحقوقي، وتربي فيه روح الانتماء والولاء إلى وطنه، والإحساس بمشاكله، وتحمّل مسؤولياته تجاهه، ومن خلال المشاركة السياسية يسهم الفرد في مناقشة الأهداف العامة للمجتمع وتحديد أفضل الوسائل لإنجازها، وصناعة القرار السياسي.
وتُعتبر المشاركة أفضل وسيلة لدعم وتنمية الشخصية الديمقراطية على مستوى الفرد والجماعة والمجتمع؛ لأن الفرد يمارس ثقافة التنافس والاختلاف ويتعود على قبول الآخر واحترامه وبالتالي فهو يقبل بالهزيمة مرة ويفرح بالفوز مرة أخرى.
وأخيرًا ومما يجب الالتفات إليه عندما نباشر حقوقنا السياسية في العملية الانتخابية أن ليس كل من يمارس الحق في الترشح قد يكون هدفه هو تحقيق المصلحة العامة والمشاركة في الحياة السياسية للتغيير البنّاء وصنع القرار السياسي، ومن هنا تبرز أهمية توعية الناخبين بضرورة المشاركة السياسية الواعية والاختيار الصحيح من بين المرشحين بعيدًا عن المؤثرات والتعصبات سواءً القبلية أو المذهبية أو الاجتماعية وغيرها،
وإنما يجب اختيار المرشح الأكفأ، الذي يتحمل الأمانة الوطنية. كثر الحديث حول الانتخابات في عالمنا العربي بعد ما سمي بالربيع العربي، وكذلك في بعض الدول المجاورة التي كثر فيها اللغط حول هذه الظاهرة التي يعد انتشارها من أهم تطورات النظام السياسي الغربي الحديث. وقد انتشر هذا المفهوم مع مفاهيم أخرى من العالم الغربي إلى دول أخرى خارجه.
وتعني الانتخابات الإجراء الرسمي لاختيار شخص ما لوظيفة رسمية، أو قبول أو رفض مقترح أو قرار سياسي ما عن طريق التصويت، فهي هنا وسيلة من وسائل اتخاذ القرارات السياسية.. و قد تزامن انتشار ممارسة الانتخابات للتعيين في المناصب الرسمية مع ظهور الحكومات ذات التمثيل الشعبي في أوروبا وأمريكا الشمالية في القرن السابع عشر.. ويعني ذلك أن يختار الناخب أحد الأشخاص، أو أحد الخيارات، أو المقترحات المتاحة له فيما يتعلق بالأمور العامة للبلاد. و يعد وجود الخيارات سواء في المرشحين أو في القرارات ضرورة من ضرورات الانتخابات و بدونها لا يمكن تسمية إجراء ما إجراء انتخابي حقيقي، فلا تستقيم الانتخابات بوجود مرشح واحد.
وينظر الكثير من المؤيدين للانتخابات من المشرعين، وعلى وجه الخصوص في البلدان الغربية الليبرالية، إلى الانتخابات بصفة عامة وبكافة أشكالها على أنها تلبية لحق من حقوق الإنسان التي وردت في ميثاق حقوق الإنسان وهو “حق الإنسان وحريته في المشاركة في إدارة شئون المجتمع الذي يعيش فيه”. ولذلك ينظر للانتخابات على أنها قضية سياسية يقيم بموجبها أداء الحكومات السياسي وتمارس الرقابة عليها.
وبالرغم من ذلك فإن هناك اختلافاً قانونياً حول كون الانتخاب “حقاً” من حقوق الفرد كمشاركة منه في إدارة المجتمع، أو كونها “وظيفة” يكلف بها.. فإذا كانت حقاً مكتسباً وجب أن يتساوى جميع أفراد المجتمع في هذا الحق، وللفرد حق التصرف به أو التفويض فيه؛ أما إذا كانت وظيفة يكلف بها المواطن وليست حقاً مكتسباً أو ملكاً له، فإنه مكلف بأدائها ولا يجوز له التصرف فيها أو المطالبة بها قانونياً. ولذلك فإن دساتير الدول وأنظمة الحكم فيها تفرق بين الوضعين وبين تحديد وتعريف من يكون لهم هذا الحق أو من يشملهم التكليف إذا كان واجباً.
ومن هنا تظهر أهمية التفريق بين شكل الانتخابات ومضمونها. فيمكن أن تفرغ الانتخابات من مضمونها وتكون شكلية فقط كما يمارس هذه الأيام في بعض دول العالم الثالث، ومنها دول ربيعنا العربي، ويمكن أن تكون انتخابات ذات محتوى حقيقي يساهم في التنظيم السياسي الحقيقي للمجتمع، وفي تطوير نظمه التشريعية.. فمن أجل أن تكون الانتخابات ذات مضمون،
أوجب المشرعون أن يكون الاقتراع حراً والخيارات حقيقية. ويرى المهتمون بالانتخابات أن نسبة تقل عن النصف فقط في البلدان التي توجد فيها انتخابات، ومنها بلدان غربية، هي تلك البلدان التي تكون فيها الانتخابات حقيقية وذات شكل ومضمون. وهناك من يرى في بعض الدول الغربية ومنها أمريكا، أن خيارات الانتخابات ليست حقيقية، ولذلك فهم لا يكلفون أنفسهم عناء الذهاب لصناديق الاقتراع.
فالهدف الأساسي من الانتخابات هو الوصول إلى المشاركة السياسية التي تفضي للاستقرار السياسي والاجتماعي ولتهيئة ظروف ملائمة للنمو والتقدم، والقضاء على الاستفراد بالسلطة والحد من القرارات الفردية العشوائية التي لا يوافق عليها المجتمع. ويشترط في النظام البرلماني عموماً التأكيد على حقوق الأفراد وتجنب التعدي عليها من الدولة مهما كانت أكثريتها البرلمانية، لأن حقوق الفرد وحريته شرط أساسي لنجاح العملية البرلمانية التي تستند عليه، ولذلك ينص على هذه الحقوق في الدساتير ويمنع المساس بها.
والانتخابات، من ناحية أخرى، تزود السلطة السياسية بالمشروعية المطلوبة لأنها تضمن تمثيل السلطة السياسية للمجتمع بكافة طبقاته وطوائفه واتجاهاته عبر الأفراد الممثلين لهم ويشاركون في اتخاذ القرار. وعليه فالتمثيل الشعبي يسهل على السلطة السياسية مهمة اتخاذ القرارات المصيرية في المواقف التاريخية الحاسمة، لأن الأمة كلها، وليس فرداً أو أفراداً معينين، تتحمل مسؤوليتها، عبر التمثيل، أو التصويت في اتخاذ هذه القرارات.
ومَنْحُ الفرد حق الانتخاب يلعب دوراً كبيراً في تعزيز إحساسه بالانتماء الوطني، وتقوية شعوره بأهميته كفرد في المجتمع، وباحترام السلطة السياسية له. وتزيد المشاركة في الانتخابات من روح الاعتزاز والفخر لديه. كما أن الانتخابات تخلق عنده نوعاً من التقبل والحماسة للقرارات التي تتخذها السلطة المنتخبة.. ولذلك تأخذ عملية الانتخابات عادة شكلاً احتفالياً، ويتجلى فيها التفاخر بالوطن والتعبير عن الروح الوطنية في الشعارات الانتخابية المختلفة. كما أن الانتخابات تساهم في تسليط الضوء على القضايا الوطنية الهامة وذلك بإثارة الحديث عنها والجدل حولها.
وتعد الانتخابات أيضاً ضرورة للتمهيد لانتقال بعض المجتمعات من الأطوار البدائية لتشكيل المجتمعات إلى طور المجتمع المؤسساتي المدني، فهي، على سبيل المثال، تعد مدخلاً لتحول المجتمعات ذات الطابع القبلي إلى طور مدني أكثر تنظيماً. كما أنه ينظر للانتخابات على أنها شرط من شروط ضمان استقرار الأنظمة والقوانين التي تشكل عاملاً أساسياً في تطمين أصحاب رؤوس المال وجلب الاستثمارات إلى منطقة ما. وإذا أخذنا بالمبدأ القائل بأن “كل حق يقابله واجب” فإن حق الانتخاب، ووجود جهات تشريعية مستقلة يسهل عملية إقناع المواطنين ببعض الواجبات المترتبة على ممارسة هذا الحق مثل القبول بالمشاركة الضريبية في الميزانية، وواجب الدفاع عن الوطن كما يتمثل في الخدمة العسكرية الجبرية أو التطوع القسري عند الحاجة.
ولكن حفظ حقوق المواطن لا تعني بالضرورة، كما يفهم البعض، المساواة الاجتماعية في هذه الحقوق. والحياة البرلمانية وخاصة في الغرب تتيح للفرد وللشعب عموماً أن يؤيد أو يعارض قرارات الحكومة وهذا غير المساواة الاجتماعية بالرغم من أن هناك شبه إجماع أن الأنظمة الدستورية يجب أن تعمل على خلق نوع من التوازن الاجتماعي يتيح للجميع الاستفادة من موارد البلاد لأن ذلك في نهاية الأمر يفضي إلى نوع من التوازن والاستقرار السياسي.. و لذلك يفرق البعض بين المشاركة السياسية التي تعني “أن كل شيء بالشعب”، والمشاركة الاجتماعية التي تعني “أن كل شيء للشعب”، فالأخيرة شعار المجتمع الاشتراكي غير الانتخابي.
و أخيراً فإنه ينظر عادة للانتخابات على أنها وسيلة للإصلاح السياسي بالسماح بمشاركة الشعب، كما أنها تساعد البلاد على التنظيم من الناحية التشريعية وذلك من خلال دراسة القوانين بشكل دقيق ومفصل. ولأهميتها توجب أن تبدو ذات مضمون حقيقي، فهناك خطر حقيقي عندما ينظر للانتخابات على أنها عملية شكلية فقط تهدف لإضفاء شرعية على واقع سياسي معين موجود قبل الانتخابات لأن ذلك ربما يزيد من حدة الشعور بالاحتقان والامتعاض السياسيين ولا يسهم في معالجتهما. والانتخابات الشكلية تضعف الثقة في أي محاولة إصلاح مستقبلية لأن أي إجراءات انتخابية تمثيلية مستقبلية، حتى ولو كانت حقيقية، ستكون محل شك الأفراد والجماعات. ولذلك ترتبط الانتخابات بقوانين وتشريعات وضوابط تهدف إلى ضمان عدم التلاعب بها.
ومن الناحية النظرية، ومن وجهة نظر أخرى، يمكن لمجتمع ما أن يطور مفهوماً للمشاركة الشعبية السياسية دون اللجوء لنظام الاقتراع في انتخابات عامة أي أن يطور مفهوماً للتمثيل الشعبي خاصاً به ومختلف عن التمثيل البرلماني الغربي، ولكن التفوق الاقتصادي والسياسي الغربي دعم الاعتقاد السائد بنجاعة وأفضلية هذا النظام.