ثمة مواقف مهمة في مشواري الصحفي، تلتصق بذاكرتي، وكانت بمثابة نقطة تحول فارقة ومهمة امتزجت فيها سيرتي الذاتية بالتاريخ السياسي في فترة ما من عمر مصر؛ ومن تلك المواقف اتصال هاتفي تلقيته على موبايلي صباح أحد الأيام قبل نزولى من البيت متجهًا لعملي بجريدة الجمهورية..
الاتصال جاءني من رقم مجهول رددت عليه بعد تردد، وكان على الطرف الآخر من الهاتف شخص لا أعرفه أبلغني بأن السيد الرئيس معى، وفوجئت بالأستاذ صفوت الشريف رحمه الله، وكان وقتها رئيس مجلس الشوري والمجلس الأعلى للصحافة يحادثني بلغة بسيطة المعنى، عميقة المغزى..
بدأ حديثه بالسلام ثم قال لي: عندى أسئلة عديدة أرجو أن تجيبني عليها بكل صراحة على أن تعتبر هذه المكالمة كأن لم تكن، وعدم الإفصاح عنها لأي شخص كان حتى يتم الفصل في هذا الأمر بعد الاجتماع بالرئيس الراحل حسنى مبارك.
صفوت الشريف سألني عدة أسئلة كانت تمهيدًا لما بعدها، وأولها: هل لديك استعداد لصياغة أفكارك ومقترحاتك لتطوير أداء مؤسسة دار التحرير للطبع والنشر(الجمهورية) ومعها جريدة الرأي التي كان يجري التمهيد لدمجها في إصدارات المؤسسة..
فأجبته إلى ما طلب؛ ثم سألني: إذا أصبحت رئيسًا لمجلس إدارة دار التحرير فكيف ستدير علاقتك بزملائك وخصوصًا رؤساء التحرير الذين هم أكبر منك سنًا؛ وكان يقصد الزميل الراحل محمد على إبراهيم رئيس تحرير الجمهورية الأسبق، والزميل خالد إمام رئيس تحرير المساء الأسبق، فبادرته بالقول إن علاقتى بهؤلاء الزملاء وغيرها يسودها الود وترتكز على الاحترام والتفاهم..
أما علاقة العمل فينظمها القانون ولوائح العمل بروح الزمالة مع الالتزام بالصالح العام.. ثم فاجأني بسؤال آخر بدا لى غريبًا وهو: ما موقفك من الأستاذ سمير رجب؟
فأجبته دون تردد: هو قامة صحفية تركت بصمات وإنجازات كبيرة في المؤسسة، وتجمعني به علاقة قوية، وقد تعلمت منه الكثير والكثير، وأحمل له الكثير من الود والاحترام لم ينقص منهما ما قد يشوب تلك من بعض الكدر الذي ربما تركته بعض المواقف في نفسي لكنها تلاشت مع الزمن ولم يبق بيننا إلا الود في أصفى معانيه.
وفي نهاية المكالمة امتدحنى صفوت الشريف بقوله: أعلم أنك نقابي شاطر، وصحفي ناجح، تابعت ما قدمته لكتاب الجمهورية ولمؤسسة دار التحرير من إنجازات ملموسة، ثم أعاد تذكيري بأن أعتبر تلك المكالمة كأن لم تكن؛ لأن الأمر على مكتب الرئيس مبارك لاختيار عدد من رؤساء مجالس إدارة وتحرير الصحف القومية..
سلم النجاح
وإنتهت المكالمة لكن أثرها ظل باقيًا في نفسي، لكن وللحق فإنني لم أكن أفكر في منصب رئيس مجلس إدارة دار التحرير ولا سعيت إليه، لكنى شأني شأن كل إنسان يحب عمله وينشد النجاح فيه، وهو ما تحقق شيئًا فشيئًا حيث صعدت سلم النجاح درجة درجة، بدأتها محررًا صغيرًا ثم ترقيت حتى وصلت لأعلى منصب صحفي كرئيس لمجلس الإدارة وهو منصب لم أشعر معه بأي فرحة بعد تكليفي به رغم إيماني بقدرتي على تحقيق النجاح في أي موقع يسند لي.
لقد قضيت في ذلك المنصب عامين إثنين فقط لكننى حققت خلالهما ولأول مرة أرباحًا في النشاط الجاري ولم تتأخر أثناءهما أي مستحقات للعاملين بالمؤسسة لحظة واحدة، بل كانت الموارد تكفي وتفيض ولم نلجأ للاقتراض أو طلب الدعم من أي جهة..
وحين تقدمت باستقالتي طوعًا ثلاث مرات للجهات المعنية على خلفية ما جرى في يناير 2011 وهو ما رفضه وقتها كثير من القيادات الصحفية..لكنى أصررت عليها حتى نعطى الفرصة لضخ دماء جديدة بأفكار مختلفة تناسب تلك المرحلة، ولو عاد بي الزمن لازددت إصرارًا على تلك الاستقالة التي جرى إبلاغي وقتها من إحدي الجهات في الدولة بالعزوف عن ذلك المطلب..
وضرورة استمرارى في موقعى.. وأن أربع قيادات صحفية فقط هم من سيتركون مناصبهم وذكرهم لي بالإسم.. وغم ذلك فقد أصررت علي الاستقالة التي عجلت بالضرورة بإقالة كل القيادات الصحفية في ذلك الوقت وتعيين قيادات أخري جديدة.
ورغم استقالتي فقد تركت رصيدًا يكفي لدفع أجور ومستحقات العاملين ومستلزمات الإنتاج بدار التحرير لستة أشهر إذا ما تعثر أو توقف النشاط، ولم يتدفق أي دخل إضافي للمؤسسة بسبب ما جرى بعد يناير 2011، ولم أكتف بذلك بل سارعت، رغم تقديم استقالتي، للاستفادة من صندوق الطواريء الذي خصصته الدولة أيامها لدعم المؤسسات التي تضررت من الأحداث..
حيث اتصلت بمساعد وزير المالية لتحديد لقاء مع الوزير واتصلت بزملائي رؤساء المؤسسات الصحفية لحثهم على حضور ذلك الاجتماع، وشاركنى في هذا المسعى الزميل الكاتب الصحفي الكبير عبدالقادر شهيب رئيس مجلس إدارة دار الهلال في ذلك الوقت..