إنهم يكذبون اسم رواية للكاتب الروائي الطبيب الراحل أحمد خالد توفيق تحكي أن طبيبا مصريا كان يعمل في وحدة طبية متخصصة في تعقب الأمراض المتوطنة في القارة الأفريقية تابعة لمنظمة الصحة العالمية اكتشف مرضا معديًا في البلد الافريقي الذي يعمل به لكن الوحدة- بسبب مصالح اقتصادية وسياسية – حرصت على عدم الاعتراف بوجود المرض في مواجهة الطبيب الذي تأكد من وجود المرض فصنعت سلسلة من الأكاذيب من شأنها أن تدفع الطبيب إلى التشكيك في قواه العقلية نفسها وأن يشك من حوله فيه ،وبالتالي يصدق هو في النهاية أن المرض الذي اكتشفه غير موجود بدليل أن السيدة التي ماتت بالمرض ليست موجودة أصلا في الحياة بل أن الطبيب العربي صديقه الذي تحدث معه في هذا الشأن لا وجود له أصلا ورئيس العمل الذي أبلغه الطبيب بالحالة المرضية التي تحمل العدوى ينكر أصلا أنه تلقى هذه المكالمة. وكذلك المسئول السياسي في البلد الافريقي الذي اتصل به الطبيب لا يتذكر المكالمة والصحفي الذي اشتهر بتعقب مثل هذه الأخبار لا ينشر الحدث الذي قدم له الطبيب تفاصيله وكان متحمسا لنشره ويتعلل بأنه لم يتأكد من صحة المعلومة. ليس هذا فقط وإنما سائقه الذي أصيب بالعدوى وظل يعالج منه لمدة ثلاثة شهور في الوحدة يندهش مما يقوله الدكتور عن مرضه .
المؤلف يريد أن يقول إن الكذب لم يعد سلوكًا عفويًا، وإنما صار صناعة لها خبراؤها ،ومراكز أبحاثها. وقد برع فيها أولئك الذين يدعون أنهم يمقتون الكذب والذين يدعون التحضر ،ويريد أن يقول إن للحضارة الغربية البراقة سوءتها البشعة التي قد تتدني إلى اسوأ مما بالتخلف التقني من سوءات.
وهذا ما نراه ونحن نتأمل سلوك العدو في حربه على غزة وسلوك أمريكا في إدارة الحرب فهي تعلن حرصها على حماية المدنيين وفي الوقت ذاته تبرر لاسرائيل كل أفعالها خاصة إبادة المدنيين وتعلن في الوقت ذاته عن ضرورة إقامة الدولة الفلسطينية وهي من منعت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من إعلان قيام الدولة في ١٩٩٨حسب اتفاقيات أوسلوا التي وقعتها إسرائيل مع الفلسطينيين برعاية وضمانات أمريكية وروسية وانجليزية فضلا عن الأمم المتحدة .وها هي اسرائيل تدعي أمام العالم أجمع في الجنائية الدولية أن مصر هي المسئولة عن معبر رفح أي أنها هي من يمنع مرور المساعدات الغذائية والطبية والوقود في حين أن معبر رفح حسب الاتفاقيات الموقعة معبر مرور أفراد ومعبر كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه اسرائيل هو المسئول عن دخول البضائع والمساعدات لكن اسرائيل وهي تعلم أنها كاذبة تستغل عدم معرفة العالم بالمعلومات الحقيقية لتطيل الوقت في التقاضي ويروعج إعلامها الكذب ما تقول .
عندما أرادت أمريكا أن تدمر أفغانستان تحدثت عن إقامة الدولة الفلسطينية ، وعندما أرادت أن تدمر العراق زادت واعادت في الحديث عن إقامة الدولة الفلسطينية وعندما دخلت سوريا واحتلت جزءا منها تحدثت عن الدولة الفلسطينية وهكذا ..وها هي أمريكا تتحدث عن حل الدولتين في وقت تمنح اسرائيل حرية إبادة الفلسطينيين والتخلص وترفض وقف الحرب وهي التي تحدثت في البداية عن التهجير الذي وقفت مصر والفلسطينيون في وجهه ثم تحدثتعما ما يسمى التهجير الطوعي ولا ندري كيف يكون تهجيرا وكيف يكون طوعيا وها هي تتحدث عن حل الدولتين ويصبح السؤال ما الذي منعها من تحقيق هذا الذي لاتكف عن الحديث عنه والاتفاقيات الدولية.
إن الفلسطينين الان يبحثون عن أدني من ذلك بكثير ألا وهو وقف الحرب أي وقف إبادة المدنيين رجالا ونساء وأطفالا وشبابا لا علاقة لهم بالحرب يتم اصطيادهم في الأماكن التي طلبت منهم اسرائيل نفسها الذهاب إليها ويتم تدمير المستشفيات ومنع الجرحى من العلاج وكل وسائل الإبادة لهذا الشعب الصامد الذي يضرب أروع الأمثلة في التشبث بالوطن ويثبت عمليا أنه لم يبع وطنه يوما ولن يبيع لكن أمريكا تريد شيئا آخر..إنهم يكذبون.