النصيحة المستحيلة للجمهور المصري قبل ساعات من لقاء الرأس الأخضر : تواضع عند النصر وابتسم عند الهزيمة !
هل هناك ماهو أثقل من النصيحة ؟
إذن سيكون موضوع هذا المقال ثقيلا.
نصيحتي سأتوجه بها – قبل ساعات من مواجهة الرأس الأخضر – إلى جمهور كرة القدم في مصر على اختلاف انتماءاته.
لن أتوجه بهذه النصيحة – كما اعتاد النقاد والصحفيون – إلى اللاعبين أو الجهاز الفني أو اتحاد الكرة.
النصيحة تقول : تواضع عند النصر وابتسم عند الهزيمة.
وللنصيحة قصة تعود إلى 32 عاما.
في بداية التسعينات ذهبت إلى استاد القاهرة لتغطية لقاء الأهلي والزمالك .
فاز الأهلى فكان من السهل الحصول على تصريحات من لاعبيه بينما رفض لاعبو الزمالك التصريح بسبب الهزيمة.
أسمعت الجماهير الغاضبة لاعبي الزمالك عند خروجهم لوما وتقريعا ثم مضت في حال سبيلها.
واحد فقط من الجماهير الحزينة رفض أن يغادر رغم محاولات أصدقائه الذين شاهدوا معه المباراة.
اعترض الرجل طريق اللاعبين وبدأ في توجيه السباب لهم والهجوم الشديد عليهم.
لثوان معدودة، تحمل اللاعبون غضبة الرجل وسلاطة لسانه ربما يفسح لهم الطريق، إلا أنه ظل يصرخ ويشتم ويكاد يسقط مغشيا عليه من حدة الانفعال .
تعجب لاعبو الزمالك من حزن الرجل الذي يفوق بكثير درجة حزنهم.
وكان لسان حال اللاعبين يقول : ( يعني هو زعلان على الزمالك أكثر منا ) .
استمر الرجل على انفعاله، فتهامس اللاعبون ثم ابتسموا ثم تحولت الابتسامة إلى ضحكات مكتومة، فوضع لاعبو الزمالك أيديهم على وجوههم لأنه لايصح أن يراهم الجمهور وهم يضحكون بعد لحظات من الهزيمة.
بصراحة كان انفعال الرجل بهذه الصورة المبالغ فيها يدعو إلى الضحك، فضحك كل الموجودين بالمكان.
مثال آخر، زرت نادي الزمالك في منتصف الثمانينات، وفي اليوم التالي لخروج مصر من تصفيات كأس العالم بعد تعادل سلبي مع المغرب في استاد القاهرة.
طوال الطريق إلى ميت عقبة كانت مصر كلها يعتصرها الحزن: وجوه الناس وعناوين الصحف وزجاج السيارات ونقاشات الأتوبيس وحكايات المقاهي.
دخلت نادي الزمالك، ففوجئت أن بدر حامد ظهير الزمالك الأيسر، وكان مشاركا في المباراة، يتحدث مع أحمد عبدالحليم عن المباراة وظروفها ولكن ليس حزينا بالدرجة التي كانت عليها مصر كلها.
كانت مصر تتكلم عن كارثة ومصيبة ونهاية العالم بينما كان بدر حامد يتناقش برباطة جأش عن المباراة مع أحمد عبدالحليم.
انتقلت إلى نادي الترسانة فوجدت محمد رمضان – وكان مشاركا في المباراة على حساب الخطيب بعد أن تألق في المباريات الودية – ففوجئت به يتنافش بشكل عادي مع عبدالمحسن التونسي مهاجم الترسانة الشهير في ذلك الوقت في موضوعات مختلفة من بينها المباراة.
والمعنى الذي أريد أن انقله إلى الجمهور المصري هو :
لاتبالغ في الفرح عند الفوز على الرأس الأخضر والتأهل إلى دور 16 ولا تبالغ في الحزن عند الهزيمة وعدم التأهل – لا قدر الله – إلى دور 16.
فإذا تأهلنا – بإذن الله تعالى – فهذا هو الطبيعي.
فنحن أبطال أفريقيا وقد حصلنا على هذه البطولة الغالية 7 مرات قبل ذلك.
كما أنه ليس من اللائق أن يتحول اللاعبون الذين أوسعتهم لوما وتقريعا عند التعادل مع موزمبيق وغانا قبل أيام إلى أبطال العالم لمجرد الفوز على الرأس الأخضر.
وإذا خسرنا – لاقدر الله – فلا تبتئس أو تبالغ في الحزن فاللاعبون أنفسهم لايحزنون بهذه الدرجة.
والسبب ببساطة أن اللاعبين يشعرون انهم لم يقصروا أو يدخروا جهدا في الملعب.
فماذا يفعل لاعب سدد الكرة بكل قوة فارتطمت بالقائم.
وماذا يفعل لاعب آخر مد قدمه على امتدادها ليمنع كرة خطيرة فذهبت إلى منافس فسجلها.
ولهذا فلا معنى للمبالغة في الفرح حال فوز متوقع ولا داعي للمبالغة في الحزن حال هزيمة غير متوقعة.
وفي الختام ، أقول للجمهور المصري تذكر ما قاله مدرب ليفربول يورجن كلوب ( كرة القدم أهم الأشياء الأقل أهمية في الحياة).