لو نخوض في الكلام عن العلم، فالبشرية من يوم وجدت و هي تبحث و تجتهد على سبل وإمكانيات تجعلها في وضعية تنهي بها هذا البحث و تقنعها بما وصلت إليه. هل هو الجهل به أم عدم الإحاطة به ؟
إن التكلم عن العلم كمنهاج السير في حياتنا، في تصوري هو مبتغى وجوده، فنحن بنو البشر نمتاز بميزة غير موجودة في المخلوقات الأخرى التي تعيش معنا. ألا و هي ميزة التدبير والتسيير و لهذا تزودنا بدليل فيه، ” إلزامية التطبيق و المكافئة” ولا يعقل بتاتا أن نسير في الحياة هكذا بدون أي توجيه ولا معلومات و نحن نعمر و نشيد، و إلا نلتحق بالمخلوقات الأخرى. و من ثم أصبح محتوم علينا استعمال ما حولنا بواسطة هذه الميزة لإستخدام هذا الدليل في كل تصرفاتنا و معاملتنا و هذا ما تسير عليه حياتنا بصفة عامة.
فبقدر ما التزمنا بهذا الدليل، سعدنا و كوفئنا و بقدر ما تكاسلنا عنه ظللنا وعوقبنا. فهذه المكافئة أو العقوبة مرتبطة بالميزة الممنوحة لنا دون المخلوقات الأخرى. فكيف حينئذ نسير على منهاج هذا الدليل وما مدى الالتزام به و معرفة تعاليمه ؟. لو نتأمل قليلا في أنفسنا و ما حولنا لأدركنا، أن كلما أخذنا سبيل التعلم أو العلم، أننا لا نستطيع الإحاطة بمغزاه ولا مفهومه ولا مبتغاه و إذا أخذنا مسلكه ما وصلنا إلى منتهاه ، إلى أن يرث الله الأرض و من عليها. فيا ليتنا ما حملناه. [ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا] – الأحزاب 72، إنها عظمة العلم و قدسيته و أهميته و أولويته في هذا الكون و ما أدراك ما الأمانة و ما أدراك ما التكليف و ما أدراك ما الخلافة.
لو وصلنا بالتفكير و التأمل إلى الحقيقة التي يتقبلها العقل البشري و المفروضة والمقبولة منطقيا على حسب مقدار عقولنا، أننا جئنا من العدم بسبب أب و أم، و العلم جاء لنا كمنهاج يسيرنا (دليل يطبق)، إذا أخذنا به سعدنا و إذا بعدنا عنه تعسنا. فلا يحق لنا الكلام في أمور موجودة من حولنا و تفوق طاقة عقلنا فتتعبنا و تشغلنا عن منهاجنا الأصلي. لهذا أعتقد، أن الأدوات الممنوحة في هذه الميزة (العقل) لا تسمح لنا أن نصل إلى الشمولية المطلقة. فيجب علينا البحث و الاجتهاد في المقاييس الكفيلة الممنوحة لنا وبتعاليم الكتاب و السنة أي الدليل.
باسم الله” هذه الجملة التي هي الجوهر و المفتاح الوحيد التي يسير بها الإنسان في الكرة الأرضية بأسرها وحتى خارجها إن وصل ذات يوم إلى التجول بعيدا في هذا الكون. ألم يكفي كل ذو ميزة منا، أن ما أَمَر به مسير هذا الكون لبني البشر في بداية تعاليمه ” اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ “، لنتأمل في هذه السورة كم من فعل أمر “أقرأ” فيها. و لهذا بات و أصبح من الضرورة الملحة ترتيب الأمر على حسب ما يمليه الدليل لا على ما أرادت أهوائنا فعله بدونه، فتكون نهاية عاقبتها عرجاء و عقابها وخيم.
فكيف يا ترى نتعلم العلم و كيف نُفَرِقه مما سواه؟ الكثير منا يرى أن تحصيل العلم هو عن طريق الدراسة بمفهوم عصرنا الحالي ربما هذا مرتبط بتطور العالم المعاصر. لكن هذا الدليل أنزل في بيئة خالية من أدنى وابسط الإمكانيات و على رجل اختاره الله أميا لا يعرف لا القراءة و لا الكتابة و في مكان لا تجد فيه أي شيء. بل هو التحصيل في الصدورللعمل به في كل تصرفات الحياة. أكيد أن كيفية التعلم أو كيفية استعماله لنسير حياتنا تتطلب نظرة أكثر شمولية مع الانتباه الجيد و الإدراك لما نتعلم و ما يفيدنا و يحمينا و يسعدنا. ولهذا يجب علينا الالتزام و العمل به أكثر فأكثر، وإلا يكون العمل أبترا، فالأخذ به لا يتطلب منا جهدا، و مما يلفت الانتباه أن هذا الدليل الذي بواسطته تسير حياتنا البشرية نأخذه بأبسط صورة في أي مكان و زمان و وضعية نكون فيها. المشكلة في النهاية هي أننا ملزمون بالأخذ به وإلا سيكون العقاب.
قول أهل الدراية و البصيرة من سمات العلم النافع، الخشوع والعمل المفيد و الورع المزكِّي للقلوبِ و الأرواحِ و الاعتقاد الجازم المطابق للواقع. لابد أن نفرق بين الأمرين، فالعلم النافع هو الدليل المقدس الذي تسير به البشرية كاملة متكاملة لا ريب فيه ولا تحويل ولا تبديل منزل للبشرية لتسيير حياتها، قال تعالى”الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ – البقرة(2)” أما الأمر الثاني فهو اجتهاد المخلوق في البحث في المخلوقات المجودة من حوله و هذا غالبا ما يكون منقوصا لأنه اجتهاد فقط من تطور الإنسان و تطلعه للأحسن و هو مفيد للإنسانية إذا لم تبتعد عن الدليل و هو ما نراه من خلل و تعقيب على تصرفاتنا على الأرض. يقول قائل كيف يمكن إن لم نخبز أو نحصد أو نزرع أن نعيش مثلا ؟ العلم النافع يرشدك لأخذ الاجتهاد في الأسباب أما معيشتك موجودة طول حياتك لم تنقصها ذرة و هي مخلوقة من أجلك. ويقول عز من قائل (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)- الكهف (7)، فعلى حسب اجتهادك تكون النتيجة إذا استعملت العلم نافع نجيت و سعدت وإن ابتعدت عنه تعست.
إن كل العلوم الوضعية التي اجتهدت فيها البشرية لم تغنيها من الله شيئا ربما لأنها ابتعدت عن الدليل و العلم النافع و الخروج على طاعة الخالق. و كأن هذه الظاهرة تنبه الإنسان إلى إعادة النظر في الاجتهاد والتطور في الحياة، و في النهاية لا يفلح إلا من سلك منهاج الدليل المرسوم لنا. و لهذا فرض علينا إدراك العلم و العمل به. ومن باب مخاطبة الذات بتأني و في وحدانية و طمأنينة، نجد العلم النافع وكأنه أكسيجين نَتَنَفَسَه في كل وقت و في كل عمل صالح أو نَتَلَقاه ينفعنا في حياتنا اليومية، أما الاجتهاد فذلك العلم الذي تُهَيئ له الأسباب من المادة والبحث عنه، قد يكون مفيد و قد يكون مدمر لأنه من صُنع عقل مكيف بدون هذا الدليل.