105 أعوام على اندلاعها .. تخيل، في 9 مارس اندلعت ثورة 1919، ومع ذلك لم يشاهد الجمهور بطولات رجالها على شاشة السينما إلا في 14 ديسمبر 1952، أي بعد مرور أكثر من 33 عامًا،
رغم أن فضل هذه الثورة بالغ الأهمية على مصر والمصريين في المجالات كافة، علمًا بأننا عرفنا الطريق إلى إنتاج الأفلام الروائية بعد اشتعال تلك الثورة بأربع سنوات فقط،
وبالتحديد في 1923 حين عرض أول فيلم مصري وهو (في بلاد توت عنخ آمون) للمخرج الإيطالي فيكتور روسيتو.
لا يحتاج المرء إلى ذكاء كبير ليعرف لماذا (أهملت) السينما ثورة 19، ذلك أن هذه الثورة تفجرت مثل بركان في وجه الاحتلال الإنجليزي البغيض،
لذا كان من الصعب أن يسمح الاحتلال بعرض جرائمه على الشاشة الفضية، فقد كان المندوب السامي البريطاني ثم السفير الإنجليزي بعد ذلك هو الذي يسيطر على كل شؤون الحياة في مصر، خاصة الإعلام والفنون، فلم يسمح بتمرير أفلام أو عروض مسرحية تندد بالاحتلال وجرائمه.
لكن الأمر اختلف حين استحوذ ضباط يوليو على السطة في 1952، حيث احتشدت الجماهير بالآلاف أمام دار العرض يوم 14 ديسمبر من ذلك العام ليشاهدوا فيلم (مصطفى كامل)،
وقد كتب بالنص في مقدمة الفيلم:
(تعلن أفلام المصري أن الظروف حالت في العهد الماضي دون تسجيل اسم واضع قصة هذا الفيلم، ويسرنا أن نعلن في عهد التحرير أن فكرة القصة من وضع الأستاذ فتحي رضوان).
صحيح أن مصطفى كامل رحل عام 1908، لكن أحداث الفيلم تبدأ من اندلاع الثورة في التاسع من مارس عام 1919، وتستمر لمدة سبع دقائق تقريبًا، قبل أن يعود الفيلم (فلاش باك) ليقص علينا حكاية الزعيم مصطفى كامل.
وهكذا يقدم لنا المخرج في مشاهد سريعة لقطات حية تصور الحشود في هذه الثورة وهتافاتها:
(سعد زعيم الأمة/ تعيش مصر حرة/ النيل لا يتجزأ)، ثم تقترب الكاميرا من شيخ معمم وقس يقودان معًا مظاهرة شعبية، وامرأة تستقل الحنطور ترفع العلم وتعلن بحرقة (تعيش مصر حرة)، بينما راح جنود الاحتلال الانجليزي يطلقون النار على المتظاهرين.
بعد ذلك نرى حسين رياض مدرس التاريخ الكهل يقف أمام إعلان/ بوستر كتب عليه (ممنوع التظاهر بأمر الحاكم العسكري 1919) والعلم الانجليزي يحتل الجزء العلوي من البوستر،
فيغضب المدرس الوطني ويمزق الإعلان، وقبل أن يهاجمه الجندي الإنجليزي بسونكي البندقية، ينقض عليه مجموعة من الشباب المصريين ليختفي من المشهد،
وعلى الفور شرعوا في تعليق بوستر آخر كتب عليه بالنص (إلى إخواتنا الطلبة المصريين.. الاجتماع اليوم بالأزهر/ 11/6/ 1919).
في الفصل يفاجأ المدرس بطالب متحمس يوزع الثورة على زملائه بلسانه المفوّه، طالبًا منهم أن يشاركوا في المظاهرات ضد الاحتلال،
فيتذكر حسين رياض الطالب مصطفى كامل الذي كان أحد تلاميذه في زمن سابق، وتبدأ من هنا العودة إلى الماضي، لنطالع قصة حياة الزعيم الشهير!
أما الفيلم الثاني المهم الذي استلهم بعض وقائع ثورة 1919 فهو (بين القصرين/ عرض في 1964 للمخرج حسن الإمام) وهو مأخوذ عن الجزء الأول من الثلاثية موفورة الصيت لأديب نوبل نجيب محفوظ.
في هذا الفيلم يستعرض حسن الإمام الأجواء المصرية في أثناء اندلاع الثورة، فنرى المظاهرات الحاشدة، و”قلب” الترام، وخطب الشيوخ والقساوسة في الكنائس والمساجد،
ونشاهد أيضًا خروج طلاب المدارس طالبين بالاستقلال، ونذالة الاحتلال الإنجليزي الذي أطلق جنوده النار على المتظاهرين السلميين.
لذا أطالب صناع السينما في مصر بالانكباب على دراسة هذه الثورة، من أجل استعادتها فنيًا،
فما أحوجنا إلى أفلام تاريخية تضيء أجمل ما فينا، وهو كثير!.