المؤكد أن عنواني هذا أثار دهشتك ورأيته يدخل في دنيا العجائب وفيه كلام شديد التناقض : كيف تكون العجوز بنت “عيلة” في الرابعة عشر من عمرها ؟؟ و إذا أحسنت الظن بي فقد تفهم أنني أقصد أنها شابة بحيويتها وإقبالها على الدنيا رغم أنها بلغت من العمر أرزله! وفي كل الأحوال لا يمكنك أن تتوقع أن ما أقوله حقيقة!! طفلة عجوز فليس هناك أي لعب بالكلمات!!
وبعد هذه المفاجأة الكبرى التي قدمتها لك أظن أن كل علامات الإستفهام في الدنيا تراقصت في ذهنك!! “إزاي” .. وهل يعقل أن ترى المرأة العجوز شابة؟؟ بأي منطق تتحدث يا حضرة؟؟
وحتى لا أطيل حيرتك أقول لك أنني أقصد من كلامي مشهد حقيقي حدث في حياة جدتي روز اليوسف رحمها الله.
فهي كما تعلم نشأت في بلاد الشام وجاءت إلى مصر في سن مبكرة، إنسانة يتيمة أعتنى بتربيتها صاحب فرقة مسرحية اسمه “اسكندر فرح” وفي بداية حياتها عملت في الفن قبل أن تتجه إلى الصحافة واستاذها الحقيقي الذي أعتنى بتربيتها وتلقينها فن التمثيل اسمه “عزيز عيد” وتقول عنه إنه أبوها الروحي!
وكان من أوائل أدوارها على المسرح دور غريب جدا في مسرحية “عواطف البنين” عجوز في الثمانين من عمرها! ولم يرض أحد من الفنانات القيام بمشهد إمرأة أكل عليها الدهر وشرب! كل واحدة إدعت أنها شابة ولا تصلح أن تكون امرأة مسنة!!
وطرأت في عقل المخرج عزيز عيد فكرة مجنونة قرر أن تقوم الطفلة بدور العجوز!
وراهن الجميع على فشلها! لا يمكن أن تنجح إلا إذا كان الجمهور من المتفرجين السذج!! لكن المخرج وتلميذته قررا خوض هذا التحدي الصعب، بل والمستحيل ولعب “المكياج” دورا أساسياً في شخصية المرأة المطلوبة على المسرح ، وهكذا تحولت جدتي بقدرة قادر من فتاة جميلة عمرها 14 سنة إلى سيدة مسنة تتعثر في خطواتها وهي تتوكأ على العصا!! وتقول روز اليوسف كنت فعلا أتعثر وانا أمشي من فرط الخوف والرهبة! فلم أكن أمثل!! ونجحت نجاحا رائعا! وكانت النتيجة عاصفة تصفيق من جمهور الحاضرين وبداية لتألقها على خشبة المسرح!
حتى أطلقوا عليها لقب “سارة برنار الشرق” وهي أشهر ممثلة عالمية في ذلك الوقت .. ويا جدتي ربنا يرحمك أراك نموذج وقدوة لبنات حواء وعلى فكرة ذكراها كانت من يومان ذهبت إلى لقاء ربنا في العاشر من أبريل عام ٥٨.
وبهذه المناسبة أقدم لك غدا مفاجأة حلوة لا تخطر على بالك.