لفتت نظره تلك الشقراء ،ذات الشعر الأصفر ،النظارة السوداء الأنيقة ،سماعات الهاتف المحمول في أذنيها ،تتمايل في وقار ،انفعال منضبط ،تحرك أصابعها لكأنما تعزف على أوتار آلة موسيقية،تحرك شفتيها مرددة ماتسمعه دون أن يصدر عنها صوت ، كانت تجلس في المقعد الداخلي بجوار الشباك الأيمن ،بجوارها على المقعد الملصق رفيقتها ،تعاملها في ذوق عال،لكأنها أميرة ،تذهب للكافيتريا الملحقة بالقطار ،تحضر لها العصير ،تضع لها الشفاطة ،تفك غلاف البسكويت ،تعطيها إياها في يديها ،لكأنما آثرت ألا تزعجها أو تقطع عليها لحظة انتشائها بسماع ماتحب، فوق رف القطار آلة كمان بجوار حقائبهما ، تبرز يد مظلة شمس، ولم لا الجو حار ، الشمس شديدة ،كان يجلس بالصف الأيسر من المقاعد ،كرسيه طرفي يلي المقعد الذي أمامها ،يطل على طرقة القطار الفاصل بين المقاعد على الجانبين،لم يعر الراكب الجالس بجواره أي اهتمام ،ولم يلفت نظرها ولا مرافقتها مراقبته لها طوال الساعتين مدة الرحلة ، سحرتها ابتسامتها ،نسمات الهواء التي داعبت خصلات شعرها الجميل فيطير على وجهها لترده برقة،تمنى لو خلعت نظارتها ليرى عينيها ،لابد أن خضراء أو زرقاء العينين بلون السماء ، سرح في جمالها ،تردد على مسمعه أغنية عبد الحليم والشعر الحرير ،ع الخدود يهفهف ويرجع يطير ، اتخذ قراره، سأتتبعها حتى أعرف مكانها ،أتعرف عليها ، لقد اجتمع في جمالها كل ماتمناه وحلم به في شريكة حياته ، طبعا ستفرح أمه وأخواته بها ، يازين ما اخترت ، هانم راقية ، وصل القطار إلى المحطة النهائية ،أخذت مرافقتها الحقائب من على الرف ،أعطتها الشمسية ،وقفت ،عدلت هندامها من أثر السفر ،أضطر أن ينزل منتظر إياها على مقعد على الرصيف ليراها وهي تنزل من القطار ،إذ لم يعد هناك في القطار سواهم ، نزلت رفيقتها أولا ، وهي تحمل الحقائب ،وضعتها على بعيدا عن الرصيف ،ثم مدت يدها لتأخذ بها،وقد وضعت الكمان على كتفها ،ممسكة بيد المظلة الشمسية في يدها ،لكن نظرتها متوجهة للأمام ،فإذا بها عصا المكفوفين ، ذهل مما رآه ،لم يصدق ،لم يقو على الحركة ،انهمرت الدموع من عينيه،لم يغادر مقعده إلا بعد أن لملم شتات نفسه ، أفاق من أحلامه ، توارت ورفيقتها عن الأنظار.