كلمتان رفيقتّان للشيطان، مذمومتّان عند الرحمّن، منعوتتّان جملةً وتفصيلاً في القرآن .. ولا أظن أنهما مترادفتّان في أكثر الأحيان …
ما أصبو إليه من تفسير في وجه عدم الترادف بين الكلمتين ، أن الفشل قد يكون محض تجربة من بعد تجربة تلو تجربة، فإذا بلغت الحقول التجاربية في الفشل ذروتها، واعترى الفاشلون الحسرة، واعترفوا بالفشل واعتزموا تعديل البوصلة… كانت لهم مناديح في الكفاح متبوعاً بالنجاح …
وقد ضَمّنَ التعبير القرآني كلمة الفشل في مواطن التحذير من الشقَاقِ والنزاع، التي اختُصَ بها المُسلمُون والمؤمنُون دون سواهم، فقال أعز من قائل :
( إذ هَمّت طَائفتَانِ منكُم أن تفشَلّا واللّهُ وليهُما ) آل عمران 123
ويقول تعالى ( حتَى إذَا فَشِلتُم وتنَازعتُم في الأَمرِ وعصَيتُم من بعدِ مَا أرَاكُم مَا تُحبُون ، منكُم مَن يُريدُ الدُنيَا ومنكُم مَن يُريُد الآخرة ) آل عمران 152
وعلى نفس وتيرة تحذير المسلمين والمؤمنين من الفشل يقول تعالى ( وَلَو أرَاكَهُم كَثيرَاً لفَشِلتُم ولتَنَازعتُم في الأمرِ ) الأنفال 43
ثم يقول تعالى ( وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفشّلُوا وتَذهبَ ريحكُم واصبرُوا إنّ اللّهَ معَ الصَابرِين ) الأنفال 46
أما الفساد فهو تعبير أشد قسوة وضراوة من الفشل ، وليس له إلا وجه واحد، وهو إخراج الشيء عن مساره عمداً وعتواً، بما لا يُدرك إصلاحه في قادم الأيام ولا بعد حين…. بعكس الفشل الذي قد يُدرك علاجه بتفادي تكراره في أقرب حين…
أستطيع القول بأن الفشل قد لا يتأتى عن سوء قصد، بينما الفساد فهو عين الضلال، والخبال، ومكرٌ تزول منه الجبال …
وقد يكون الفشل محصوراً بين فئتين من المسلمين، ولا يكون الفساد إلا من جنس العتاة والجفاة، الكافرين والجبارين….
الفشل قد تفرزه المذهبية والعصبية، وتبرزه الحزبية والتعددية،،
وأما الفساد فهو خلاصة الإنفرادية، والسفسطائية، والماكرية، والعدوانية المارقية، التي تُدمر كل أخضر ويابس، وتجعل الزرع حصيداً، والخصب جدباً، والعذب أجاجاً، والجماد حطاماً، والبنيان قاعاً صفصفاً…
وبضرب المثال يتضح المقال:
قال تعالى ( وإذّا تَولَى سَعَى في الأَرضِ ليُفسدَ فيهَا ويُهلكَ الحرثَ والنَسلَ واللّهُ لَا يُحبُ الفَسّاد ) البقرة 205
وإذا قيل لهذا المُفسد اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد “”
وسجلت سورة المائدة عبارة الفساد في الأرض مرتين، بصيغة ويسعون في الأرض فساداً ) المائدة 33 و 64
منها آية في تتمتها ( والله لا يحب المفسدين )
ونبذت سورة الأنفال الفساد في الأرض ، وقارعته بالفتنة ( إلَا تَفعَلُوهُ تَكُن فتنَةٌ في الأَرضِ وفسَادٌ كَبيرٌ ) الأنفال 73
وفي موضع ثالث بسورة القصص، يُقبح اللهُ قارون المُفسد، ولا تَبغ الفسَادَ في الأَرض إنّ اللّهَ لا يُحبُ المُفسدِين ) القصص 77
واقترن الفساد في نفس السورة بالعُلو في الأرض بغير الحق ( لا يُريدُونَ عُلُواً في الأرضِ ولَا فسَادا ) القصص 83
وعن سائر ملأ فرعون صاحبتهم لفظة الفساد ( فَأكثَرُوا فيهَا الفَسَاد ) الفجر 12
والإكثار هنا مطلقٌ غير مقيد، فيحتمل أن يفضي إلى السحق والمحق والتدمير …
أخيراً كانت الكلمة الوحيدة في كتاب الله التي تبدأ بحرف الظاء، متبوعة بكلمة الفساد في سورة الروم ( ظَهرَ الفسّادُ في البَر والبَحر بمَا كَسبَت أيدي النَاس ليُذيقَهُم بعضَ الذي عَملُوا لعَلَهُم يَرجعُون ) الروم 41