كثيرا ما ترحمنا على خطباء المساجد الذين كانوا ملء السمع والبصر وكانوا بحق بركة تمشي علي الأرض، وكانت الجماهير فى كل مكان تسير خلفهم، وتهتدى بعلمهم، ويضعون بين أياديهم أسرارهم ومتاعبهم وهمومهم بحثا عن خلاص من هداية الإسلام.
كان خطباء الجمعة من أجيال العلماء القدامى وعاظ بحق، لهم منهجهم الوسطى، وفكرهم المستنير، وشخصيتهم المؤثرة فى الجماهير، لأنهم كانوا قدوة طيبة فى سلوكهم، لا ينهون عن منكر ويفعلوه، ولا يضعون أنفسهم مواضع الشبهات، ولا يجاملون شخصا بفتوى أو رأى فقهى، وكانوا الى جانب علمهم وفقههم أداة تواصل جيدة فى وقت كانت فيه أداوات التواصل قليلة ومحدودة التأثير.
كثيرا ما تطلعنا الى الواعظ الدينى الوسطي.. والمفتى المستنير الذى ينقل للجماهير صحيح الدين.. ويقوم بدور الموجه الاجتماعى الذى يعرف كيف ينهى الخلافات، ويعيد الصفاء الى نفوس كل من يلجأ إليه.. والخبير التربوى الذى يعرف كيف يربى الأطفال والشباب الذين يرتادون المساجد على قيم وأخلاق الإسلام.. والطبيب النفسي الذى يخاطب مشاعر ووجدان جماهيره من الكبار والصغار.. فهو الجدار الصلب الذى تستند عليه الجماهير وقت الشدائد.
لا شك أننا فى أمس الحاجة الى أداء أفضل لخطيب المسجد لكى يكون أداة لنشر الوعى الدينى الصحيح، ويواجه بعلم ووعى جماعات التطرف الدينى، فما أحوجنا الى خطيب جمعة يؤثر فى جماهيره، ويعرف كيف يستحوذ على عقول من يستمعون إليه، ويدرك جيدا رسالة المساجد، وما يلقى فوق منابرها وفى ساحاتها من خطب ودروس تعيد الإنسان الى الحالة النفسية والأسرية والاجتماعية والأخلاقية والحضارية التى تجعل منه إنسانا إيجابيا يفيد مجتمعه.. فنحن فى كل وقت فى أمس الحاجة الى خطباء يستعيدون ثقة الجماهير لتعمل بتوجيهاتهم وتهتدى بهداية الدين.. والحمد لله هناك مبشرات تبث فى نفوسنا الأمل فى وجود جيل جديد من خطباء المساجد الشباب المتميزين وهؤلاء أتابع كثيرا منهم عبر مواقع التواصل الاجتماعى وقد صادفت أحدهم يخطب فى مسجد يوسف عليه السلام بحدائق اكتوبر سألت عنه خادم المسجد بعد انتهاء الصلاة فأخبرنى أن إسمه “عمر محمد عبد الحكيم” وهو خطيب شاب يمتلك مقومات التوجيه الدينى الصحيح، يعرف كيف يختار كلماته، وأوصافه المعبرة؛ دون خروج على أدب الدعوة وأخلاقياتها.. ولذلك كان حقه علينا أن نذكر بمحاسنة ونقول فى حقه كلمة حق فقد سبق وانتقدت أداء بعض خطباء المساجد.. وهنا أصبح من حقهم علينا أن ندعم العناصر الجيدة منهم، أملا فى مزيد من الإجادة، وتحقيق الأهداف الدينية والاجتماعية والأخلاقية لخطبة الجمعة.
يجب أن نعترف أن الجماهير المصرية من مختلف الفئات والأعمار والمستويات الفكرية والثقافية لها ملاحظات على أداء بعض خطباء المساجد.. لذلك فإن تطوير الأداء أصبح مطلبا جماهيريا ملحا فى ظل التحديات الفكرية والاجتماعية التى يواجهها المجتمع المصرى، وأعتقد أن وزارة الأوقاف تبذل جهدا كبيرا فى هذا الإطار.. فخطيب المسجد العصرى يجب أن يكون مسلحا بالعلوم والمعارف العصرية، فلا يكفى أن يستشهد فى خطبته بآيات قرآنية وأحاديث نبوية.. بل هو مطالب بتأييد ما يطرح من أفكار وما يدعو إليه من سلوك رشيد فى مختلف المجالات بعرض ما توصل إليه العلماء والخبراء فى مختلف التخصصات.
لقد انتشرت المساجد فى كل شارع وحارة والدولة تنفق على رعاية المساجد الكثير من خلال وزارة الأوقاف، وهذه المساجد ينبغى أن يكون لها دور فى التوجيه الدينى والتربوى والأخلاقى، وفى توعية الجماهير ضد حروب الجيل الرابع والخامس والتى تستهدف عقول وضمائر المصريين.
نعم.. تم تطهير مساجدنا من هؤلاء الذين وظفوا الدين لتحقيق مآرب سياسية وحزبية.. ويجب أن تتواصل حملات التطهير لتصل الى الذين لا يدركون رسالة المسجد العصرية ولا يريدون تطوير الأداء وتحسين الرسالة.
استعادة رسالة المسجد فى ظل التحديات العصرية التى تستهدفه أمر مهم للغاية ويجب السعى إليه لو كنا بالفعل جادين فى تجديد وتطوير الخطاب الدينى.