نحن العرب والفلسطينيين نعرفها جيداً ولا نجهلها، وقد اعتدنا عليها ولم تفاجئنا، وتهيأنا لها وتوقعنا قيامه بها، وربما عرفنا مكانها وحددنا إطارها، ولم نباغت بزمانها أو نؤخذ بتوقيتها، فأخذنا لذلك حذرنا وجهزنا أنفسنا، وتنبهنا جيداً لها ولم نصدم بها، ولم نرتبك أو نضطرب، ولم نخرج عن طورنا أو نجزع لما أصابنا، ولم نرفع الصوت شكوى أو نجأر بالصراخ ألماً، لئلا يشمت بنا عدونا ويفرح، أو يغريه وجعنا ويدفعه نحو مزيد من العدوان ألمنا، وهو الذي لم يشبع من قتلنا، ولم يرتوِ من دماء عشرات الآلاف من شعبنا، وما زال كالثور الهائج يجوس ويدوس، ويقتل ويدمر، ويخرب ويهدم.
تمثل القومية العربية تحديا كبيرا وما تمارسه من عنف جعلها تقبع في محيط عربي رافض لنهجها الاستعماري. من هنا تمثل القومية على ما تقدمه إسرائيل من مشروع آخر مغاير تسميه بـ ” القومية اليهودية أو الأمة العربية خطر فوحدة العرب وتكتلهم معا هو في ذاته خطر كبير وفقا للفكر الصهيوني الذي جاء في اليهودية”. الأساس لمواجهة حركة القومية العربية من خلال طرح ما يسمى بـ “المشروع الصهيوني” وفقا للمؤتمر )عبد الوهاب المسيري، ،2010 114( الصهيوني السابع 1905 فيقوم الفكر الصهيوني على أنكار القومية العربية والتقليل منها ووصمها بالتشدد والعنصرية، وغياب المدنية فوصفها “نودروا” بأنها “وهم” فال توجد أمة عربية بمفهوم المدنية الأوروبية، والعرب ما هم إل مجرد قبائل وفالحين متنازعين”.
من هذه العبارة يمكن الوقوف على النهج الإسرائيلي تجاه القومية العربية؛ فقوة إسرائيل تتمثل في ضعف الدول العربية وتفتيتيها؛ لتظهر كقوة إقليمية أقوى بين فرقاء وكيانات صغيرة مبعثرة. وظهرت بين الحين والآخر مخططات إسرائيل يه لتحقيق هذا الفكر كمشروع الشرق الأوسط الجديد لشيمون بيريز،
ومشروع برنارد لويس الصهيوني لتقسيم الوطن العربي ومثل هذه المشروعات أو غيرها ليست فقط مجهود فكري، ولكنه مخطط تنفذه إسرائيل بطرق وأساليب مختلفة. ومثلت ثورات الربيع العربي فرصة كبيرة إضعاف المحيط العربي الرافض لها، وغياب الحديث عن أية سبل للوحدة، حيث تبعها تغير في أولويات صانع القرار العربي لصالح إسرائيل. فكل دولة أصبح همها داخلي بالأساس، وتراجع الاهتمام بالقضايا العربية المشتركة، خاصة في ظل اشتعال ساحات الحرب الأهلية في أكثر من دولة عربية، وانتشار وتفشي الإرهاب داخل العديد منها، وتراجع الاهتمام بالقضية المشتركة الأولي )
قضية فلسطين( وأ كبر تحد مصاحب “نقل السفارة الأمريكية للقدس، 131 الرؤية الصهيونية للقومية العربية: بين الفكر والمخطط وجهود تعميمها من قبل عدد أكبر من السفارات الأجنبية بإسرائيل”. وكانت البداية لظهور قانون القومية الذي جعل من القدس الكاملة عاصمة إسرائيل، الأمر الذي يؤسس لبداية تحقيق مخطط أرض إسرائيل الكبرى. في هذا الصدد، تحاول الورقة الإجابة عن تساؤل مهم يتمحور حول ماهية الرؤية الصهيونية للقومية العربية وماهية المخططات والمشروعات الصهيونية والنهج المتبع من قبل إسرائيل، والصهيونية العالمية للقضاء على القومية العربية لتطبيق هذه الرؤية، خاصة بعد ثورات الربيع العربي وصول لصفقة القرن.
إنها كما يسميها العرب “ضربة مقفي” أخيرة، ضربة يائسٍ عاجزٍ لا تخيف، وضربة غدارٍ مرعوبٍ لا تقتل، وضربة مذعورٍ مرتجفٍ لا تكسر، فهي ضربة راحلٍ مغادرٍ، هاربٍ فارٍ، مهزومٍ مكسورٍ، ذليلٍ مهانٍ، وضيعٍ جبانٍ، يظن أن نجاته فيها وخلاصه بها، وأنه سيستعيد بها ما فقده، وسيعوض بها ما خسره، وسيرمم ما أصابه، وأن الحظ سيخدمه والفرصة ستناسبه، وأن الظروف قد تنفعه وتحقق أهدافه التي فاتته.
ونحن نعرف عدونا جيداً وندرك طبيعته حقاً، ونعرف طباعه ونفهم سلوكه، ونعلم يقيناً أنه سيحاول الغدر بنا وخديعتنا، وسيعمد قبل رحيله وعند إحساسه بانتهاء دوره ونهاية مهمته إلى مثل هذه الضربة، فهو العاجز عن مواجهتنا واليائس من الانتصار علينا، الخائض في الدماء منذ ما يزيد عن السبعة أشهر، والمتعثر بالأجساد والأشلاء التي قتلها بغاراته ومزقها بسلاحه، ورغم ذلك لم يتمكن من تحقيق النصر الذي يريد، أو إنجاز المهام التي أعلن عنها، وبشر مستوطنيه بها ووعدهم بقرب الوصول إليها.
اهتمت الأدبية بدراسة قانون القومية الذي سنه الكيان الصهيوني عام 2018 باستخدام المنهج القانوني، واهتمت بدراسة سياق إصدار القانون للوقوف على عوامل إصداره، و من ثم تأثيره على القضية الفلسطينية عبر استخدام تحليل النظم والمنهج الوصفي التحليلي. و توصلت لوضع سيناريوهات مستقبلية للمستقبل المتوقع للقضية الفلسطينية.
قانون القومية بجذوره في الفكر الصهيوني منذ تأسيس الحركة الصهيونية واستحداث مفهوم الشعب اليهودي و الأمة اليهودية، حيث هدفنا للوقوف على الطبيعة المتناقضة للقانون ومضمون القومية اليهودية بمفهومها العلمي وطابع الدولة العبرية العلماني. وأثبتت أن قانون القومية هو تتويج لسلسلة من قوانين عنصرية سنتها دولة الاحتلال لتعزيز مفهوم يهودية الدولة، رغم تنافيها مع قواعد القانون الدولي والمواثيق ر لواقع القضية الفلسطينيةـ و يقضي على حق عودة اللاجئين وتقرير الدولية، ويمثل انتهاكا خطي ا المصير وإقامة الدولة المستقلة.
واعتبرت الدراسة أن القانون بمثابة إعلان حرب على الوجود الفلسطيني ا من التوصيات أبر زها إعادة صياغة المشروع الوطني التحرري الفلسطيني، وإعادة برمته. وطرحت عدد بناء منظمة التحرير كإطار قومي وطني جامع، ودعم منظومة المقاطعة الاقتصادية للكيان الصهيوني. و يؤخذ على هذه الدراسة أنها قصرت التحرك على صعيد بناء الجبهة القومية الفلسطينية والعربية دون التطرق لتحركات دبلوماسية وقانونية منددة بالقانون، واتخاذ خطوات فعلية تقضي يتغير الوضع ، خاصة أن الدارسة اعتبرت القانون بمثابة حرب ضد الكيان الفلسطيني ككل، مما يتطلب وضع تصورات أكثر شمول
إنها فعلاً “ضربة مقفي”، التي يقوم بها عادةً الفاسدون الفاشلون، العاجزون اليائسون، المختلون المضطربون، الحائرون التائهون، عديمو المروءة والشرف، وناقصو العقل وقليلو الأدب، أعداء الإنسانية وحلفاء الشر، فعدوانه الأخير على “معبر رفح” و”بوابة كرم أبو سالم” هي أوضح مثالٍ على “ضربة المقفى” الذي يمسك بأطراف ثوبه، ويعض على أسنانه ولا يلتفت وراءه، ولا يلوي على شيءٍ إلا ابتغاء النجاة، ومحاولة الفرار والخلاص من مصيرٍ معتمٍ ينتظره، أو نهاية مأساوية تتربص به وتتعقبه.
استناداً إلى التجربة والوعي، فإن المقاومة لن تطمئن إلى وعود الوسطاء وضمانات الكفلاء بأن ربيبتهم ستخضع وستلتزم، وستقبل بالشروط وستحترم، ولن تعاود بعد استعادة أسراها واستنقاذ جنودها الحرب من جديد والغارات مرةً أخرى، لعلمها أنها ضماناتٌ واهيةٌ ونوايا كاذبة، وهم أضعف أمام الكيان من فرضه عليها وإلزامه بها، فضلاً عن أنهم والعدو شركاء في العدوان، وأصلان لا يفترقان، وصنوان يتفقان، وحليفان يتشابهان ولا يختلفان، ويكذبان ولا يفيان
لهذا فهي كما تميزت وشعبها بقدرتها على الصمود والثبات في مواجهة المذابح والمجازر الهمجية المنظمة، واستطاعت مواصلة القتال على مدى سبعة أشهرٍ، فقد تميزت أيضاً برشدٍ سياسي كبيرٍ، وعقلٍ راجحٍ وحكمةٍ وزانةٍ، واستطاعت بما تراكم لديها من خبرةٍ وتجربةٍ أن تعي المخاطر التي تحدق بها، وأن تستكشف طريقها الوعرة، وتعرف المسارات الصعبة التي يجب أن تسلكها، وأن تتجاوز ما يراد بها ويخطط لها، ولهذا فهي تركن بعد الله عز وجل إلى صبر شعبها وثبات أهلها، وقوة سواعدها وصلابة رجالها، وتعتمد على قوتها لضمان أمنها وسلامة مستقبل شعبها، إذ بغيرها يستفرد العدو وحلفاؤه بها، وينال منها ومن أهلها، ويحقق ما كان يحلم به ويتمناه، وما عجز عنه وأعياه.
دكتور القانون العام والاقتصاد الدولي
ومدير مركز المصريين للدراسات بمصر ومحكم دولي معتمد بمركز جنيف للتحكيم الدولي التجاري
وعضو ومحاضر بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا