كنت أقرأ في وردي أمس قوله تعالى:
“وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون”
وإذا بكلمتين في الآية تهزان كل كياني، وتحركان كل ساكن في..
“قضي الأمر”
قضي الأمر فلا مجال لعودة أو فرصة..
قضي الأمر فلا مجال لصلاة أو صوم أو قراءة قرآن أو سعي لخير أو نصرة دين..
قضي الأمر فلا مجال لاستبراء ذمة أو استسماح حبيب..
قضي الأمر في مجال العمل…وابتدأ الأمر في مجال الحساب..
وكأن الكلمتين خرجتا من الآية تصرخان في أذن قلبي دون سواهما وتهزانني بقوة لأستفيق مما أنا فيه من غفلة وقسوة وطول أمل وجمود عين:
“قضي الأمر”
بينما رجل مسافر في طريق طويل نزل يستريح في بعض مراحله تحت ظل شجرة… وقبل أن ينام قليلا صلى ركعتين كعادة الصالحين، لا يتركون مكانا حتى يشهد لهم بخير..
ثم ما لبث أن رأى في منامه رجلا يغبطه على هاتين الركعتين، ويقول له:
هنيئا لك ما صليت!!
فقال له الرجل: من انت؟
قال أنا ميت من أهل المقبرة التي خلف هذا الوادي..
ثم قال له:
لوددت والله أنا ومن معي من الموتى أن نعود إلى الدنيا فنصلي مثل هاتين الركعتين!!
أنتم يا أهل الدنيا محظوظون..تعملون ولا حساب..ونحن نحاسب ولا نعمل!!
وصدق الرجل…نحن والله محظوظون…لكننا بطالون متسكعون في أمر الأعمار والحقوق..
نظل نؤخر في الوصايا ونتكاسل عن الطاعات ونوغل في المظالم حتى يفجأنا الملَك يوما في نومة ليس بعدها يقظة قائلا:
“قضي الأمر”
ما أوعظ القرآن لولا قساوة قارئيه!!
رأيت رجلا يظلم آخر ويغمطه حقه رغم علمه بالأمر ومكابرته فيه…حتى فوجئت بنبأ وفاة المظلوم فقال لي صديق يعرف الطرفين:
انتقلت القضية إلى أحكم الحاكمين وأعدل العادلين!!
والعجيب أن الظالم مات بعده بقليل وهو غارق في مظلمته ظنا منه أن أقدار الله ستمهله، فجاءه قضاء ربه على غير ما تمنى!!
إيهٍ أيتها القلوب القاسية…التي لا تفيق حتى يفجأها قول الملك:
“قضي الأمر”
يا إخوتاه…أخبار الموتى على وسائل التواصل وأعدادهم مرعبة…وكلهم شملهم نداء “قضي الأمر”
وقد منحكم الله من العمر ما تستزيدون فيه من المكارم والمغانم…وما تتجنبون فيه بلية الموت على المظالم…فأدركوا الأمر قبل “قضي الأمر”
فحسرة الكلمة يوم سماعها لا توصف..
ووالله لو أنطق الله أهل المقابر لاستعجلونا بالأعمال وترك طويل الآمال..
فاعملوا قبل ألا تقدروا أن تعملوا.