الحياء ملازم للعبد المؤمن كالظل لصاحبه وكحرارة بدنه لأنه جزء من عقيدته وإيمانه ومن هنا كان الحياء خيراً ولا يأتى إلا بخير كما فى الصحيحين عن النبى صلى الله عليه وسلم ( الحياء لا يأتى إلا بخير ) وفى رواية مسلم (الحياء خير كله ) وفى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على رجل يعظ أخاه فى الحياء ، أى يعاتبه فيه لأنه اضر به ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم دعه فإن الحياء من الإيمان وأمره أن يترك أخاه ويبقيه على ما تحلى به من الحياء ولو ضيع صاحبه من استيفاء حقوقه ، لأن ضياع الحق أهون من فقدان الحياء الذى يميز إنسانيته وخيريته على خلق كثير ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كانت مواقفه دوماً مع أصحابه يعلوها الحياء فهذه بردة قد أهديت إليه شغلتها إحدى المؤمنات خصيصاً له وحينما لبسها ورآها أحد أصحابه فقال اعطينيها يا رسول الله ، فما كان منه صلى الله عليه وسلم إلا أن خلعها عن كتفيه وألبسها إياه فنهره الصحابة على ذلك فقال والله ما أردت أن ألبسها ولكن لتكون لى كفنا لأنها مست جسد رسول الله خير الخلق وحبيب الحق . ومن سيرة خير الخلق لأول الخلق سيدنا آدم عليه السلام عندما فر هاربا فى الجنة يبحث عما يستره فقال الله تعالى له ( أفرارا منى يا آدم ؟ فقال لا بل حياء منك ) أى حياء العبد من نظر الله إليه فى حالة لا تليق ، وهذا نبى الله موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام حينما دعته ابنة نبى الله شعيب للقاء أبيها .. فقال لها سيرى خلفى وإن خالفت طريقى أشيرى أمامى بحصاة لتكون دليلى ، هذا هو بعض من خلق الحياء الذى كان دستوراً لمن أتى بعدهم من رجال الله الصالحين العارفين . والحياء يدل على ما فى النفس من خير وعلامة واضحة على طبيعة الإنسان فيكتشف عن مقدار سموه ورفعته لأنه معروف بفضائل عديدة ترفع الإنس بين ذويه وأقرانه ، فعندما ترى إنساناً يشمئز ويتحرج عن فعل ما لا ينبغى ، فاعلم أن فيه خيراً وإيماناً بقدر ما فيه من ترك للقبائح . والإيمان مقترن بالحياء دوماً فإن رفع أحدها رفع الآخر ، والسر فى ذلك أن كلاً منهما داع إلى الخير مقرب منه ، صارف عن الشر مبعد عنه ، فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الخيرات والطاعات وترك المعاصى ، والحياء يمنع صاحبه من التفريط فى حق الله تعالى . كان سيدنا أبو بكر الصديق يقول والله إنى لأضع ثوبى على وجهى فى الخلاء حياء من الله ، وقال يحيى بن معاذ ( من استحى من الله مطيعاً استحى الحق منه وهو مذنب ) سبحان من يذنب عبده ويستحى هو . الحياء من الله هو أعلى مراتب الحياء يليه الحياء من الملائكة الذين يحيطون بالإنسان ليل نهار ثم الحياء من البشر فهو من مكارم الأخلاق ومنبع كل فضيلة لأنه يترتب عليه القول الطيب والفعل الحسن والعفة والنزاهة فإما تحصل على احترام الناس أو ازدراء الناس . ثم يأتى الحياء من النفس .. وهو حياء النفوس العزيزة من أن ترضى لنفسها بالنقص .. ويكون هذا الحياء بالعفة وصيانة الخلوات وحسن السريرة فيجد العبد المؤمن نفسه يستحى من نفسه حتى كأن له نفسين تستحى إحداهما من الأخرى وهذا أكمل ما يكون الحياء .. ولذلك قال العلماء ( من عمل فى السر عملاً يستحى منه فى العلانية فليس لنفسه عنده قدر ) . والبعض من ضعاف النفوس يستغل أصحاب النفس التى تتحلى بالحياء فيتعمد الإهانة أو الطمع فيما غلا ثمنه اعتماداً على أن الطبع الذى جبل عليه هو الحياء الذى سيمنعه من رد الإهانة أو رفض الطلب . وحاذر أن تخالط هؤلاء الذين يرفعون ويمزقون برقع الحياء . ( ومن كساه الحيــاء ثوبــه لم ير الناس عيبـه ) .