تتأثر الحيوانات بالاحتباسات الحرارية بأشكال متعددة، حيث يمكن لبعضها أن ينقرض بسبب ما يطرأ على بيئاتها من تغيرات مما يجعلها غير ملائمة وأقل راحة، كما أنها تتأثر بالاختلافات الحاصلة على طعامها ومن الملوثات الطارئة، بالإضافة إلى اضطرار بعضها للهجرة إلى أماكن أخرى لضمان بقائها على قيد الحياة وتغير أنماطها السلوكية.
غالبًا ما نتعامل مع تغير المناخ من خلال عدسة بشرية – فهو في النهاية مشكلة من صنع الإنسان، تشكل خطرًا كبيرًا على حياة الإنسان وتتطلب حلولاً يقودها البشر أيضًا. ومع ذلك، هذه ليست الصورة الكاملة – تلعب الحيوانات البرية دورًا مهمًا في الحفاظ على التوازن البيئي، ومن المدهش أنها قد تكون أيضًا أصلًا لا يقدر بثمن عندما يتعلق الأمر بمكافحة تغير المناخ. وسوف سنتطرق للطرق المختلفة، والتي غالبًا ما تكون غير ملحوظة، التي تساهم بها الحيوانات البرية في التخفيف من تغير المناخ.
تغير المناخ واستجابة الحيوانات للتغيرات المناخية
كان للحيوانات استجابات محددة لتغير المناخ، من خلال الهجرة أو الموت، لأن الهجرات تسمتر أحيانًا بمتابعة ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الخطر على التربة وما إلى ذلك، وتتحرك التضاريس المذكورة بسبب تغير المناخ. والحيوانات البرية ليست مجرد سكان سلبيين في أنظمتها البيئية – بل على العكس تمامًا – فهي مشاركون نشطون يلعبون دورًا رئيسيًا في بيئاتهم. أنشطتها اليومية – من وظيفة التلقيح للنحل إلى حركات تشكيل المناظر الطبيعية للأفيال – لها دور فعال في صحة ووظائف هذه النظم البيئية. واتضح أن هذه الإجراءات لها أيضًا تأثير مهم على أنماط المناخ العالمية.
ولنبدأ بالتفكير في الدور الذي تلعبه الحيوانات البرية في دورة الكربون، وهي عملية بالغة الأهمية في تنظيم مناخ الأرض. فالحيوانات تشكل وتساهم بنشاط في عمل هذه الدورة. ولنتأمل على سبيل المثال الطريقة التي تحفز بها الحيوانات العاشبة مثل الفيلة أو البيسون نمو النباتات من خلال تقليم النباتات، وهو ما قد يؤدي إلى امتصاص أكبر للكربون من قِبَل النباتات. وعلى نحو مماثل، تلعب الكائنات البحرية، التي تتراوح من العوالق الصغيرة إلى الحيتان الكبيرة، دوراً في دورة المغذيات المحيطية، ودعم احتجاز الكربون في البيئات البحرية. ويلعب كل نوع، بطريقته الفريدة، دوراً مهماً في الحفاظ على هذا التوازن البيئي المعقد.
إن مساهمة الحيوانات البرية في التخفيف من آثار تغير المناخ تمتد إلى ما هو أبعد من احتجاز الكربون. فدورها في الحفاظ على التنوع البيولوجي، وتلقيح النباتات، والحفاظ على صحة التربة تشكل أيضاً عناصر حاسمة في مكافحة تغير المناخ. وبعيداً عن لعب دور سلبي في الحفاظ على أنظمة الأرض، تعمل الحيوانات البرية كمنظمين طبيعيين وحماة لصحة كوكبنا. ونظرًا للدور الحاسم الذي تلعبه الحيوانات البرية في الحفاظ على النظم البيئية الصحية، فيجب أن تكون من الاعتبارات الرئيسية في خطط عملنا المناخية. ولكن من المؤسف أن أهميتها غالبًا ما يتم تجاهلها ويفشل الكثيرون في إدراك دور الحيوانات البرية ودمجه. لا يتعلق الأمر فقط بالحفاظ من أجل التنوع البيولوجي – بل يتعلق بفهم والاستفادة من الحلول الطبيعية التي توفرها هذه الحيوانات من حيث التخفيف من تغير المناخ.
كيف تساهم الحيوانات البرية في حلول المناخ الطبيعية
عندما يتعلق الأمر بمكافحة تغير المناخ، غالبًا ما تطغى استراتيجيات أكثر شيوعًا مثل الطاقة المتجددة والابتكار التكنولوجي الأخضر على دور الحيوانات البرية. ومع ذلك، لا ينبغي تجاهل تأثير هؤلاء السكان الطبيعيين لكوكبنا في التخفيف من آثار المناخ.
في هذا القسم، نستكشف الطرق الأساسية التي لا تكون بها الحيوانات البرية جزءًا من عالمنا الطبيعي فحسب، بل إنها أيضًا لاعبون نشطون في حلول المناخ الطبيعية.
لقد تطرقنا إليها بإيجاز في القسم السابق، ولكن دعونا نفكر في قدرات تخزين الكربون للحيوانات البرية بمزيد من التفصيل. تساهم العديد من الأنواع الحيوانية بشكل كبير في عزل الكربون – وهي عملية حيوية لتقليل كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. فكر في دور الذئاب في النظام البيئي للغابات على سبيل المثال. بصفتها حيوانات مفترسة، تساهم الذئاب بشكل كبير في التوازن البيئي. يتحكم وجودها في أعداد الغزلان، مما يمنع الرعي الجائر. يسمح هذا التحكم في أعداد الغزلان بنمو أكثر صحة للغابات ويحمي الحياة النباتية، وهو أمر حيوي لتخزين الكربون. بدون الذئاب، قد يزيد عدد الغزلان دون رادع، مما يؤدي إلى الرعي الجائر. يمكن أن يؤدي هذا الرعي المفرط إلى تقليل مستويات الغطاء النباتي بشكل كبير، مما يضعف قدرة الغابة على امتصاص وتخزين الكربون بشكل فعال.
هل تعلم؟ الحيتان هي مثال آخر على نوع من الحيوانات البحرية المدهشة حيث تلعب دورًا مهمًا في عزل الكربون. من خلال أنماط التغذية والهجرة، تساهم في دورة المغذيات في المحيطات، وتعزز نمو العوالق النباتية التي تمتص كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون.
تلعب الحيوانات البرية دورًا مهمًا في تعزيز مرونة النظم البيئية لتأثيرات تغير المناخ. ويتم تحقيق ذلك من خلال الدور الذي تلعبه الحيوانات داخل شبكة الغذاء، والتي تحافظ على صحة وتنوع النظم البيئية. والنظم البيئية الصحية أكثر قدرة على تحمل والتعافي من الظروف المناخية المتطرفة مثل الجفاف والفيضانات. وهناك وظيفة مهمة أخرى تلعبها الحيوانات في التخفيف من تغير المناخ وهي دورها في الحفاظ على صحة التربة. تساهم كائنات مثل ديدان الأرض والحشرات في تهوية التربة ودورة المغذيات، وهو أمر مهم لنمو النباتات. وهذا لا يعزز تخزين الكربون فحسب، بل يدعم أيضًا الزراعة من خلال تحسين السلالات الزراعية. واستجابة النباتات للتغيرات المناخية حيث تغير المناخ والزراعة عمليتان مترابطتان، وكلاهما يحدث على نطاق عالمي، حيث يؤثر تغير المناخ بشكل غير متساو في جميع أنحاء العالم.
وفى الختام يمكن أن تساعد حماية الحياة البرية في مكافحة تغير المناخ والنهوض بخطة التنمية المستدامة عام 2030 واستدامة الحياة على الأرض، بما في ذلك إفادة البشرية. وإن الحفاظ على الحياة البرية يخفف من تغير المناخ وامتصاص 6.41 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-سفير النوايا الحسنة- مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس استاذ ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس ورئيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان – عضو اللجنة العلمية والإدارية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- المستشار العلمى لحديقة الحيوان بالجيزة-الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم
