يؤدي التحول الرقمي أدوار يصعب حصرها في المجالات التنموية والخدمية على السواء؛ حيث يسهم بصورة فاعلة في تطبيق الحكومة الذكية التي تضمن تحسين الإنتاجية وتخفف مسارات الفساد والإفساد الظاهر منه والمقنع، ومن ثم تحدث الاستدامة المنشودة فيما نسعى إليه من تعظيم لمواردنا المادية والبشرية على السواء.
كما يسهم التحول الرقمي في إنهاء حالة البيروقراطية المشفوعة بالروتين القاتل الذي يضخم من حجم الأخطاء ويقلل من الإنتاجية، بل ويؤدي إلى إضعافها واستهلاك الطاقات البشرية والموارد المادية دون الجدوى المأمولة منها، لذا تتخذ القرارات بعشوائية وبتخبط بما يؤدي لنتائج عكسية تصب مباشرة في بؤرة الركود المؤسسي.
وفي ضوء ما تقدم سعت الدولة المصرية بتوجيهات ودعم ومتابعة من القيادة السياسية إلى مواكبة التطورات العالمية في كافة المجالات، إيمانًا منها بأهمية اللحاق بركب التطور والحداثة، وخطورة التخلف عنه؛ ومن ثم تبنت فلسفة التحول الرقمي والذي يشير إلى عملية انتقال أعمال المؤسسة من نظامها السائد لنظام قائم على توظيف التقنية الرقمية في أداء أعمالها، كما يمكن القول بأنه يتضمن توظيف التكنولوجيا كهيكل تنظيمي يشمل المدخلات والعمليات والخدمات التي تُقدمها المؤسسة.
ومن هنا انطلقت الرؤية التطويرية المقترحة التي تعتمد فلسفتها التطويرية على المنطلقات الفكرية والمبادئ الأساسية التي تؤكد على ضرورة التوعية الثقافية، بما يؤدي إلى تهذيب النفوس وتنمية الفكر وحسن الدراية والإدراك وصلاح بنى المعرفة التي تقدح في الأذهان، بواسطة العلوم والفنون وكافة المعارف التي توصف بالرصينة والعميقة في مضمونها ومحتواها؛ فينتج عن ذلك كله إصلاح المعوج، ومن ثم يتم مواجهة التحديات والمشكلات والمعوقات التي تحد من العمل على تطوير وزارات وهيئات ومؤسسات الدولة بصفة عامة، وأنموذج لها الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية.
وتعتمد الرؤية المقترحة التي تستهدف تحويل الهيئة العامة لقصور الثقافة إلى مؤسسة ربحية مبتكرة على توظيف التقنية الرقمية الحديثة في عرض الأماكن والمقاصد الخاصة بوزارة الثقافة وما يرتبط بها من مقومات تخص المجالات الثقافية، وما يقدم من خدمات على مدار الساعة بصورة مقصودة، وتسمح للزائر بفرصة التجول الحر عبرها كي يحاكي الواقع وتتكون لديه صورة ذهنية عما يشاهده في الحقيقة، ومن ثم يقرر المشاركة أو الزيارة أو الاقتناء للمنتج من خلال التسوق المدفوع، وهذا يمكن أن يحدث شراكة حقيقية مع وزارات أخرى معنية كالسياحة أو الصناعة، أو التجارة، أو التربية والتعليم، وغيرهم من الوزارات والمؤسسات، ومن خلال هذا المشروع الواضح المعالم والإجراءات والذي يمكن تطبيقه بإمكانيات ليس مكلفة يعد أحد مسارات الترويج التي لا يستهان بها في التسويق والجذب الثقافي والسياحي بمصرنا الحبيبة.
ولكي تؤدي الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية هدفها الرئيس المتمثل في نشر الوعي الثقافي والفني، وتعزيز الهوية الثقافية المصرية، ودعم الفنون والإبداع، في ظل التحديات الراهنة التي يواجهها السوق المصري والعربي، يتوجب تبني استراتيجية رقمية شاملة لتحويل الهيئة إلى منظمة ربحية قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستدامة المالية، ومن ثم تصبح كيان رقمي متكامل، يهدف إلى حل المشكلات والتحديات الراهنة في السوق بواسطة حلول مبتكرة تحفز العملاء على التفاعل والشراء من التطبيقات المختلفة التي يمكن تدشينها، وهذا بالطبع يعتمد فلسفة التحول الرقمي في صورته الشاملة.
وبصورة إجرائية ينبغي تطوير موقع إلكتروني وتطبيق موبايل بما يبرز دور الهيئة والأنشطة والخدمات التي تقدمها، ومن ثم ييسر على الجمهور الوصول إلى المعلومات والتفاعل مع الهيئة بشكل فعال وسهل، ويجب إطلاق قناة يوتيوب تعليمية وثقافية تقدم صور من البرامج التعليمية والثقافية المتنوعة، وكذلك برنامج بودكاست وفيديوهات موشن جرافيك موجهة للأطفال، تستهدف نشر المعرفة بطرق ترفيهية وجذابة.
وبواسطة فنيات التحول الرقمي يمكننا إنشاء أول قصر ثقافة رقمي يقدم كورسات تعليمية باشتراكات مدفوعة، بهدف نشر الثقافة والمعرفة بشكل واسع وبطرق مبتكرة، وعبر تطبيق حجز الدورات وورش العمل التي تقدمها الهيئة، مما يسهم في تسليط الضوء أكثر على فعاليات الهيئة وجذب المزيد من المشاركين على المستويين الداخلي والخارجي.
وتتناول التطبيقات عروض الكتب الإلكترونية والصوتية التي يتيح للناشرين والقراء الاشتراك ودفع الرسوم لنشر وتسويق الكتب التي تتبناها الهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية، ناهيك عن منصة عرض الأفلام والمسرحيات والأغاني المدعومة من الهيئة باشتراكات مدفوعة، على غرار منصة “شاهد”، باللغة العربية ولغات مختلفة أخري مما يساهم في نشر الثقافة والفنون المصرية وتصحيح الصورة الذهنية الخاطئة خاصة الخارجية وجذب الجمهور بشتي الأعمار والجنسيات، وهناك أيضًا منصة بيع المنتجات اليدوية والتي تساعد المرأة المصرية والحرفيين على تسويق منتجاتهم وبيعها في الداخل والخارج، وكذلك منصة تنظيم الرحلات السياحية الثقافية بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار، لتحفيز السياح على زيارة مصر واستكشاف آثارها الثقافية والتاريخية.
وفي ضوء توجيهات القيادة السياسية نحو أهمية التحول الرقمي وتعظيم الاستفادة منه يمكن من خلال مؤشرات الرؤية السابقة أن نحقق ماهية تحول رقمي شامل للهيئة العامة لقصور الثقافة، بما يؤدي إلى زيادة الإيرادات وتحويل الهيئة إلى منظمة ربحية يسهم في دعم الاقتصاد المصري، ويعمل على تعزيز التفاعل مع الجمهور وتوسيع قاعدة المستفيدين من خدمات الهيئة، ومن ثم تتوافر منصات رقمية مبتكرة تسهم في نشر الثقافة والفنون المصرية عالميًا.
أستاذ أصول التربية
كلية التربية للبنات بالقاهرة – جامعة الأزهر