تحبس مافي قلبك منذ سنوات وفي اليوم الذي تنفجر فيه تصبح أنت الوغد
تشارلز بوكوفيسكي
حين كان ماركيز يكتب في روايته (مئة عام من العزلة) والتي حملته إلى مصاف حاملي نوبل، صعد في إحدى الليالي إلى غرفة نومه تاركا مكتبه خلفه وهو يرتعش والدمع يتقاطر من عينيه ،وحين شاهدته زوجته مارسيدس على هذه الحال مباشرة قالت:
هل مات العقيد بوينديا؟
فأجابها بمزيد من الإرتعاش :
نعم ،لقد قتلته الآن،قتلت الكولونيل بوينديا
سؤال مارسيدس وتوقعها ذاك، كان نتيجة معرفتها بشدة تعلق ماركيز ببطل روايته العقيد بوينديا،كان يقول لها دوما:
أنا أعرف منذ البداية أن العقيد بوينديا يجب أن يموت في هذه الرواية،لكني لم اكن أعرف متى سيموت أو أين.
وكانت تلك من أصعب اللحظات التي مرت على ماركيز في كتابة روايته (مائة عام من العزلة).
هنالك أشياء في حياتنا نعرف تماما بأنها ولدت منتهية الصلاحية ، أشخاص ،علاقات، نعلم أنها لن تعيش طويلا ،لكننا نستمر في المقاومة وخداع أنفسنا ،حتى يأتي اليوم الذي تعلن هي بنفسها عن موتها .
للناس دائما قائمة يسطرون عليها أهمية الأشياء،أساسي،مهم، أضافي، غير ضروري
هم يعرفون جيدا وضع كل شيء في مكانه المناسب في حياتهم ،لكنهم يسوفون ويخدعون ،فيوهمونك بأنك العين التي يبصرون بها، والأوكسجين الذي ينعش رئاتهم ،والشمس المشعة التي لولاها لما عرفوا انقضاء الليل وبدأ يوم جديد.
لكن في الحقيقة هم يضعونك في قائمتهم على فقرة(الإضافي وغير الضروري)
فبك أو بدونك الحياة بمبي ومستمرة بكامل قيافتها العسكرية ،وما أنت سوى عطر أنيق يزيدهم جاذبية إن رشوا قليلا منك على حياتهم .
من المضحك جدا أن تصدق أفكار تقول لك انك مهم ومعشوق بينما هم يرونك تتقلب في العذاب ويغضون الطرف ،هذا خداع للنفس ومحاولات بليدة منك لتزييف الحقائق.
فلكل منا صوت داخلي ،يهمس له ويصرخ به أحيانا،لكننا نتجاهل ذلك الحدس ،ذلك الصوت الداخلي الذي لاينافق ويرمي بالحقيقة في منتصف جبهتنا كقناص محترف .
يقول ديستويفيسكي،لا أدري كيف يمكن لأحدهم أن يترك في داخل قلبك ثغرة كبيرة ثم يتركك ويرحل هكذا دون أي شعور بالذنب!!
الحقيقة حين يتعارض الشعور بالذنب مع المصلحة، يقتلون شعورهم ذاك ويمضون غير مبالين بالجثة المسجاة على قارعة الطريق بعد أن حفروا داخل قلبها فجوة كبيرة لاتستقيم من بعدها الحياة .
الذي يتلاعب بك ،يغدق عليك المشاعر والإهتمام مرة ثم يتخلى عنك مرات قالبا الطاولة عليك راميا الكرة في ملعبك ، كدولاب الهواء العملاق في مدينة الألعاب يرفعك نحو السماء مرة فتحلق معه فاتحا ذراعيك مثل روز في سفينة التايتانك ثم يهبط بك بعدها إلى أدنى نقطة نحو الأرض خالي اليدين ماسك الهوا في يديك كما قال عبد الحليم(واثاريني ماسك الهوى بأديا ماسك الهوى ).
ارتفاع وانخفاض،وصل وهجر، لقاء وفراق، قتل حتى الموت ثم صدمات كهربائية لإنعاش القلب ،يتلاعبون بك كما يتلاعبون بلعبة خشبية معلقة بالخيوط، فيحيونها مرة، لترقص فرحا ثم يجهزون عليها ويفلتون الخيوط فتسقط أرضا مخذولة مغدورة من اليد التي كانت تمسكها وتسندها زيفا وكذبا.
بعض العلاقات تولد ميتة ، ومهما حاولت أن تحتفظ بها ،تنفخ فيها الروح ،تحقنها بالخلايا الحية،تحنطها ثم تضعها في تابوت من ذهب ، مهما حاولت فلن تحصل إلا على مومياء بشعة .
فحين يُمنح الحب لمن لايفهمه ولايقدر قيمته، سيكون مهدورا كشعاع الشمس الساقط في حفرة ،لايضيء ولاينعكس،بل يتلاشى في العتمة فحسب.