لو أراد العالم معرفة أمريكا فلا فرصة أفضل من المؤتمرات الحزبية كل أربعة أعوام. أربع ليالي تخاطب أمريكا ذاتها، بنهايتها، ليلة الخميس، يقبل مرشح الحزب ترشُح الحزب ويخاطب حزبه والشعب لمَ يطلب أن يكون رئيسًا؟
وفي الليالي الأربع، يتحدث كبار الحزب ليبينوا للناس لمَ الحزب أفضل و لمَ المرشح أفضل.
هنا لخمس وأربعين ونصف.. ولا أرى في دنيا الله من يجدد العزم قدر الأمريكان..
إنها كتاب مفتوح؛ شر وخير وبين بين، وعارها الأسمى الدخلاء والخارجون على القانون..
أدرس أمريكا كثيرًا، فأنا فيها فاعل وفعيل.. وحديث اليوم عن مؤتمرات الحزب، ولن نتجاوزه.
من كبار الديموقراطيين تحدث رؤساء أسبقون، ومتحدثون باسم الكونجرس، وزعماء أغلبية ومعارضة، بالكونجرس.. ويتحدث وجهاء، بل بعض المتمردين من الأحزاب الأخري..
وليس لكل الناس القدرة على الحديث، ولا كل الناس يُبين!
اليوم تحدث بيل كلينتون، صاحب الميزانية الخالية من العجز والتى جاوز الفائض فيها قرابة ترليون دولار.. كان ذلك يوم ترك الرئاسة في يناير ٢٠٠١، منذ ثلاثة وعشرين سنة ونصف خلت.. وهو صاحب الإتفاق التاريخي بين الكاثوليك والبروتستانت في أيرلندا الشمالية، ومن كاد أن يقيم إتفاقًا بين إسرائيل وفلسطين.. إنه رجل النتائج، بينما الناس تعميهم المثالب..
يقول في خطابه: شئ أقسم أنني راجعته ثلاثًا، ويعيد التأكيد تشويقًا، ليأخذ بالإنتباه: منذ انتهاء الحرب الباردة في ١٩٨٩، خلقت أمريكا ٥١ مليون وظيفة جديدة.. ثم ينظر للناس ويبث مزيدًا من التفاصيل، بعد التشويق: من هذه الواحد وخمسين مليونًا، كان نصيب الديموقراطيين (أي هو و أوباما وبايدن) خمسينًا، بينما الجمهوريين (أي بوش الأب والإبن وترامب) واحدٍ!
وتحدث عن كاميلا هارس مقابل ترامب: هي من الشعب لتساعد الآخرين، وعدد الأمثال، بينما ترامب لا يعنيه إلاه! ويقول: لما تسمعوا لخطابه، كل ما عليكم هو عد “الأنا”..
وبالأمس تحدث الرئيس الأسبق أوباما، وأوضح المزيد عن ملكات كاميلا مقابل إضطرابات ومصائب ترامب.
نعم، هى مؤتمرات حزبية.. والأمر خطابة، إنما الحزب يقر توجهه وعظائم الشئون لديه، ويخاطب الشعب لتبني توجهه..
وخطاب الحزب يفيد مرشحي الكونجرس والثلث المُرشح من الشيوخ، كما يفيد الرأس؛ المرشح الرئاسي..
عنيفة ومكلفة السياسة بأمريكا، إنما ليالي مؤتمر الحزب، أشبه بليلة العيد، كقول رامى، عنها: “أنستينا، وجددتي الأمل فينا”..
هنا أمل وهناك في بقاع كثيرة قنوط..
فلمَ الحال هكذا؟
إنه الحرية المحمية بمؤسسات وقوات فرض القانون وعُرف نما عند غالبية الناس لإصحاح الصحيح..
لمن يريد معرفة أمريكا، إستمع لمؤتمرات الأحزاب.. إنها ليالٍ أربع، كل أربع سنوات، فيها دروس لتجديد الأمل، تحكي أمر أمه، سفنُها في الفضاء، وعلماؤها ساهرون للخير، والناسُ لديهم أمل، على مشقة الحياة ووعثاتها..
سمعت خطاب أوباما بالأمس، وخطاب كلينتون اليوم، وأين في بلاد الله يوجد رؤساء أسبقون، يتحدثون بحرية وليسوا في حجرات السجون