هناك من يصف الوطن بأنه المسكن والمأوى الذي نعيش على أرضه ونستظل سماءه؛ لكني قد أزيد عليه فأقول إن الوطن مقر الروح والقلب ومتسع الخيال والوجدان؛ فهجرانه بمثابة نزع الحياة من الجسد وفقد الأمل والتيه في سماوات غريبة؛ لذا لا يضاهي الأوطان ما يغني عنها؛ فأمانها واستقرارها من النعم التي لا تقابلها مكاسب أو مطامع، مهما بلغت وتعالت.
والحفاظ على الوطن لا يقوم على شعارات براقة وكلمات فارغة من مضمونها؛ لكن السلوك خير شاهد وبرهان، ومن ثم يجب علينا أن نزيد من العزيمة حيال العمل فنتقنه، وفي مضاعفة الإنتاج بمزيد من الجهد، وبلوغ الهدف بعلو الإرادة والعزيمة، والشراكة والمشاركة في إنجاز المهام الجماعية التي تصب في المصلحة العامة؛ فلا مجال للإفراط والتفريط.
وشرف الزود عن الوطن لا شك إنها مسئولية الجميع دون استثناء؛ لذا نجد أن من يحاول النيل منه، أو العبث بمقدراته، أو محاولة احتلاله، يترقب صورة المجتمع التي تصف تماسكه ولحمته واصطفافه خلف قيادته؛ فإذا ما بدى له ضعفًا أو هشاشة أو متلون فتن؛ فإن قراره الإقدام، وإن رأي صلابة وقوة ونسيجًا متماسكًا وتضافرًا وعزيمة وإرادة تجاه التحديات والأزمات والمشكلات والمخاطر؛ فإن قراره الإحجام؛ لأنه لن يواجه جيشا منفردًا؛ لكن سيواجه طوفان من البشر يطلبون شرف الشهادة والتضحية من أجل الحفاظ على ترابه وصون مقدراته.
إن التضحية من أجل بلادنا مقربة لله في الأصل؛ فلن يتردد مصري في الدفاع عن وطنه كل في مكانه واختصاصه؛ فالتضحية لها أشكال عديدة منها التضحية بالنفس والمال والوقت والجهد، وتلكما أفضل ما يعمل عليه إنسان يقدر قيمة الوطن، ومن ثم لا يجد المعتدي الفرصة السانحة التي تمكنه من تحقيق مآربه؛ لذا فإن الحروب تغيرت استراتيجياتها وصارت قائمة على فلسفة الإضعاف للجبهة الداخلية؛ ليصبح الوطن واهننًا لا يستطيع أن يصد أي اعتداء يتعرض له من الخارج بعد استهلاك طاقاته وقدراته في الداخل.
وما نذكره من أوجه دفاع عن الوطن الغالي لا ينفك عن حفظ مقدراته المادية والبشرية؛ فكل من يتسبب في ضياع ثروات الأوطان يعد خائن للأمانة، وكل من يستهين أو يعبث أو يتصرف تصرفًا يهدر به المال العالم يعد مجرمًا ومدمرًا لوطنه؛ فما أخطر الفساد بكل صوره على بقاء الأوطان؛ فكلما ازدادت صور الإفساد كلما تحطمت أركان الوطن وصار لا يتحمل عواتي الأمواج.
وفي ضوء ذلك نؤكد بأن مؤسسات الدولة الوطنية تعد مسئولية الجميع، والحفاظ عليها يقع على عاتق الجميع، والعمل على إصلاحها قرار الكافة دون استثناء، بل لا نغالي إذا ما قلنا إن الحفاظ على البيئة من كل ما يسبب لها الضرر بأي صورة من الصور لهو مسئولية المجتمع قاطبة؛ لأنها ملك للجميع؛ فمن يرصد تجاوز في حقها يتوجب عليه أن يقوم بدوره المشروع، ومن يمارس ضدها ما يتنافى مع صحيح السلوك عليه مراجعة نفسه وتصويب الخطأ الذي يقترفه بشكل فوري.
ومن يحاول النيل من الوطن عبر ما يبثه من شائعات مغرضة يجب أن نتصدى له سواءً كان في الداخل أو الخارج؛ فالإساءة للوطن جرم لا ينبغي السكوت عليه، ومحاولة فك اللحمة وزعزعة الأمن والاستقرار هتك لصحيح القانون يتوجب أن يحاسب عليها من يقترفه؛ لذا يجب أن نقوم بتوعية الشعب العظيم بشتى صور الشائعات المغرضة ونعمل على تصويب الأفهام من خلال نشر صحيح المعلومات والبيانات التي تتعلق بمجريات الأحداث على أرض المحروسة.
وفي خضم المسئولية الوطنية يصعب أن نرصد كافة الممارسات التي تسهم في الحفاظ على مقدرات البلاد؛ لكن يكفينا أن نشير إلى أهمية الإيجابية نحو وطننا الحبيب، وهذا ما أمرنا الله به فقال تعالى: فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ [هود: 116]، ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر