قامت الدنيا ولم تقعد حتى الآن بسبب الفيلم الهندي حياة الماعز المأخوذ عن رواية بنفس الاسم صدرت عام 2008 وحققت انتشاراً واسعاً منذ صدورها، حيث صدرت منها الطبعة رقم 250 حتى الآن حيث من المتوقع أن يتضاعف الطلب عليها آلاف المرات بعد عرض الفيلم خاصة أن الكثير من المتابعين لحركة الثقافة والأدب حول العالم لم يسمع عن الرواية إلا بعد الدوي الهائل الذي أحدثه عرض الفيلم على منصة نيتفليكس مؤخراً ،بسبب حساسية القضية التى يتناولها عن معاناة الفقراء من الهنود المهاجرين لدول الخليج بحثاً عن الرزق.
الفيلم ينتقد بشدة نظام الكفيل المعمول به فى السعودية وبعض دول الخليج واحقاقاً للحق كانت السلطات السعودية مؤخراً قد بدأت فى مراجعة هذا النظام غير الآدمى والذي يعيد العامل الهندي وغيره من أى جنسية إلى نظام الرق والنخاسة حيث كانت تقام في الجاهلية أسواق لبيع وشراء العبيد وهو ما حرمه الإسلام وكل الشرائع السماوية.الفيلم حقق نجاحاً مدوياً ولا يزال وسجل فى أيام عرضه الاولى أرقاما قياسية من الايرادات ، ويتعرض لهجمة شرسة من السعودييين ومن بعض الأشقاء فى دول الخليج الاخري .
كما يتعرض بطله النجم العمانى طالب البلوشي لحملة أشرس وصلت بالبعض تكفيره و اخراجه من الملة ، وحسناً فعل الرجل عندما واجه كل هذ الهجوم من اللجان الاليكترونية بثبات ، مؤكدا انه غير نادم على المشاركة فى الفيلم.
وقد احتفى كثير من العرب بالفيلم خاصة فى مصر بعد أن كانت السعودية قاب قوسين أو أدنى من انتاج فيلم بطله مصري ينصب على الحجاج ثم تم الاعلان عن وقف تنفيذ الفيلم.ورغم شجاعة السلطات السعودية التي قررت مراجعة هذا نظام الكفيل إلا أنها أخطأت عندما حجبت عرض الفيلم داخل المملكة حيث ثبت بالدليل القاطع أنه إذا أردت لعمل فنى رواية كان أو فيلما أو أى شكل من الأشكال أن ينتشر انتشاراً واسعا فما عليك سوى أن تصدر قراراً بالحجب والمنع من العرض.
وهذا الأمر ليس قاصراً على السعودية وحدها بل فى كل انحاء العالم حيث الممنوع مرغوب،ففى مصر على سبيل المثال عدة مواقف مشابهة عندما صدر قرار بمصادرة رواية أولاد حارتنا للأديب الكبير نجيب محفوظ فإذا بها تحقق أرقاماً قياسية في المبيعات،نفس الشيء كان يحدث مع روايات احسان عبد القدوس التى وصفها البعض بأنها جريئة وقت صدورها فباع ناشروها أضعاف ما كانوا يخططون لبيعه،كذلك عدة أفلام ساهم قرار منع عرضها بانتشارها سراً بصورة كبيرة جداً.
لكل تلك الأسباب أصبح حياة الماعز حديث الناس فى العالم كله رغم أنه جاء على عكس ما تتميز به السينما الهندية من البهرجة والألوان الزاهية و الاستعراضات والأغاني.
ولعله أول فيلم هندى طويل تدور أحداثه فى صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء إلا الماء الذي يشرب منه الماعز التي يقضي معها البطل كل وقته،يعيش كما يعيشون ويأكل معهم ويشرب مما يشربون بسبب قسوة ذلك النظام غير الآدمى.ساهم فى انتشار الفيلم أنه يحكى قصة حقيقية لهندى لا يزال على قيد الحياة أصبح بعد عرض الفيلم من النجوم التي يتم استضافتها في البرامج المختلفة.
وقد لقى الفيلم ولا يزال ترحيبا من الجمهور وكذلك النقاد الذين وصفوه بأنه دراما البقاء المدهشة وصورة سينمائية طال انتظارها للنضال وسط وحشية قاسية حيث يظهر البطل نجيب معزولا عن العالم وحيداً مع سيده وحيواناته يكتوي بالحرارة الشديدة في صحراء قاسية.
لست مع تسييس أي عمل فني وأفضل دائما التعامل معه كلوحة فنية أولاً وأخيراً,حتى لو كان هدف صناع الفيلم سياسياً فقد شعرت أن الهدف تسليط الضوء على معاناة المواطن الهندي الذي تضطره الظروف القاسية للهجرة والعمل كالعبيد.
وكانت الجرأة أن يتم ذلك من خلال شريط أقرب للفيلم التسجيلي ومع ذلك يحقق كل هذا النجاح ربما لصدق القضية التى يتناولها ، ولو أراد الأشقاء فى الخليج الرد عملياً على هذا الفيلم بنفس طريقة الهنود ، فاقترح عليهم صناعة فيلما بطله رجل خليجي سافر للهند للسياحة فاختطفته عصابة هندية وألقت به ليعيش مع طائفة تعبد الأبقار وعاش معهم ومثلهم سنوات طويلة مقهوراً لا يقوي علي الاعتراض ولا التفاهم بلغتهم ،قبل أن ينجح في الهرب منهم ويعود لعبادة الله الواحد الأحد و أقترح أن يكون اسم الفيلم” حياة البقر” !
Hisham.moubarak.63@gmail.com