كدت أحصل على لقب شهيد المصروفات المدرسية لولا العناية الإلهية التى أرسلت ذلك الطبيب الحكيم.
تتبع زوجتى معى عندما تقدم لى أى قائمة بأية طلبات نفس نظرية فيلسوف الكوميديا نجيب الريحانى فى فيلم أبو حلموس،فى هذا الفيلم هناك مشهد عبقرى للضاحك الباكى نجيب الريحانى أو شحاته أفندى وهو يقوم بتظبيط الحسابات لناظر الوقف عباس فارس،كانت كشوف الحسابات تتضمن 92 جنيهاً و 17 قرشاً و 3 ملاليم لدهان غرفة واحدة و18 جنيهاً وكسور لشراء خروف،اعترض الريحانى على هذه الطريقة الهبلة المكشوفة فى صرف الأموال،واقترح حتى تكون العملية «مبلوعة» يتم مثلاً كتابة تفنيط مبلغ بياض الأوضة على عدة عمليات تشمل «كحت» البياض القديم ثم تقطيب الثقوب والخروم والصنفرة ثم وش أول ووش ثانى وثالث وغيرها من العمليات،ونفس الشيء بالنسبة للخروف تتم كتابة مبلغ كذا لشراء حبل ومخلا وجردل لزوم أكل وشرب الخروف ومبلغ كذا لزوم طبيب بيطرى للخروف وكذا لزوم مزين لحلاقة شعر الخروف.
استفادت زوجتى من هذا المشهد تمام الاستفادة،تسببت لى ذات مرة بفقدان القدرة على النطق عندما قدمت لى المبلغ المطلوب منى تدبيره استعداداً لمدارس الأولاد بطريقة الجملة وليس التفصيل،وقتها جاء الطبيب مهرولاً وبعد أن فحصنى جيداً ولم يجد سبباً عضوياً ممكن أن يجعلنى على هذه الحالة سألها وهو يرتاب فيها عن السبب الذى جعلنى أفقد القدرة على النطق بهذا الشكل فقالت له:لا أذكر أنى قد فعلت شيئاً ممكن يؤدى لهذه النتيجة،ثم أضافت وهى تبدو كمن يتذكر شيئاً مهماً وبراءة الأطفال فى عينيها:كل ما أذكره أنى قد طلبت منه الفلوس التى مطلوب تدبيرها استعدادا لدخول العيال المدارس فسألها الطبيب عن المبلغ وما أن سمع الرقم إلا وفقد هو الآخر النطق لمدة طويلة وعندما أفاق قال لها معاتباً:حد يعمل كده يا مدام كان لازم طبعاً من عملية التمهيد أولاً ثم التنقيط ثانياً بمعنى عدم طلب كل الطلبات مرة واحدة ولكن نقطة نقطة ثم شرح لها طريقة التنفيذ محذراً إياها بعدم مسئوليته عن صحتى لو لم تنفذ تعليماته بالحرف الواحد!.
الحقيقة أننى بمجرد أن سمعت الرقم الذى طلبته زوجتى شعرت بدوخة وغثيان وأصبت بدوار أفقدنى النطق وقد حاولت تحذير زوجتى بالإشارة من إطلاع الطبيب على ورقة الطلبات لكنها لم تفهم قصدي،اعتقدت أنى أهذى بإشارات غير مفهومة جراء فقد النطق الذى أصابنى، وسمعت زوجتى تحكى لصديقة لها فى التليفون مؤكدة انى كدت أحصل على لقب شهيد المصروفات المدرسية لولا العناية الإلهية التى أرسلت لها ذلك الطبيب الحكيم،وأقصد الحكيم من الحكمة حيث نصحها وقتها بأن مثل هذه الصدمات قد تهلك الرجل وتطرحه أرضاً ربما لسنوات طويلة،وعرفت منها بعد ذلك أن الطبيب شرح لها كيف أن أى رب أسرة يحتاج من زوجته قليلاً من الحكمة والنضج عندما تطلب تدبير مبلغ كبير،بل أن الطبيب أخرج موبايله وأدار مشهد فيلم أبو حلموس وقال لها:غالبية الحالات التى أعاينها هذه الأيام نفس حالة زوجك لذا خزنت المشهد على الموبايل لتسهيل عملية الشرح !.
من وقتها استوعبت زوجتى الدرس تماماً ولم تكرر أبداً تقديم المبلغ المطلوب اجماليا بل تقوم بتفنيطه على مراحل وأيام.. فى يوم تطلب منى مبلغاً لشراء الزى المدرسى مثلاً وتتركنى أسبوعاً قبل أن تطلب منى ما يكفى لشراء الشنط المدرسية،قالت لى مرة:ايدك على فلوس الحشو،فأجبتها فرحا:أخيرا هتعمليلنا محشي؟ فقالت:محشى ايه يا راجل اسم الله على دماغك أنا عايزة فلوس اجيب بيها الحاجات اللى نحشى بيها شنط مدارس العيال من كتب وكراريس وكشاكيل.. عندك عيال فى المدارس ولسه بتحلم تاكل محشى؟.
نسيت أن أخبركم أن الطبيب الحكيم قال لزوجتى وهو يؤكد لها أهمية التمهيد قبل طلب الشيء نكتة الشاب المغترب الذى صدمه أهله بخبر وفاة كلبه وعاتبهم لم يمهدوا له مثلا بأن الكلب نزل يلعب فى الشارع ثم فى مكالمة أخرى صدمته سيارة ثم فى الثالثة مات،ومن يومها وكلما اقترب العام الدراسى أجد زوجتى تتودد لى وهى تقول:جهز نفسك يا حبيبى علشان قربت تنزل تلعب فى الشارع !.