فيلم إيطالي عن السرير
شاهدت منذ زمن بعيد فيلما أجنبيا – أظنه إيطالي –، اسمه ” مخدع لإثنين ” يعرض لثلاث حكايات تدور في حجرة النوم.
الأولى عن أسر تقيم في فندق، شاب يخطئ في دخول حجرة نومه – لا أدري لماذا – فقد فشلت في العودة لأحداث الفيلم، وأتحدث الآن عنه من الذاكرة – ينام الشاب بجوار إمرأة مسنة، فتتعامل معه على إنه زوجها- الظاهر أن الحجرة كانت مظلمة- وتكتشف المرأة بعد وقت طويل أن الذي تعاملت معه ليس زوجها، وإنما هذا الشاب الذي في سن أولادها، فتبتسم سعيدة ومنتشية.
وحكاية الجزء الثاني من الفيلم تدور بين ثلاثة أفراد شاب متزوج من إمرأة حسناء، مشكلته هي إدمانه للعب القمار، يلعب الورق مع رجل مسن يجيد اللعب، وتقوم الزوجة بتقديم الشراب لهما، فيعجب المسن بالمرأة، ويظل يتابعها برغبة طوال وقت اللعب، لكن الزوج يخسر كل ما يملك ولا تتبق له سوى زوجته الحسناء، فيعرض عليه المقامر المسن أن يلعب علي زوجته، فيوافق الزوج ويخسرها، فتحدث أزمة بين الزوجين، فيتفقا على خداع الرجل المسن، يسكرانه، أو يخدرانه، فينام الرجل للصباح، فيوهمانه بإنه فعل مع المرأة.
يفيق الرجل من غفلته، يتابع المرأة – التي تتحرك أمامه – وهو سعيد ومنتشي، يزهو بما فعله معها. فيضيق الزوج بتصرفاته ويصيح به: صدقني أنت لم تلمسها، لقد خدرناك.
فيربت خد الزوج في حنو قائلا: طبعا، ما أنت لازم تقول كده.
يدفعه الزوج في عنف ويصيح به: صدقني، لقد كنت مخدرا ونائما طوال الليل.
فيربت ظهره قائلا في إبتسام: مقدر ظروفك.
ويخرج من المكان سعيدا بما ظن إنه فعله.
……..
وحكاية الجزء الثالث من الفيلم، تدور بين ثلاثة أفراد. شاب ترك بلدته وسافر لبلدة أخرى مجاورة يعمل بها؛ تاركا أخته وحدها في المدينة بلا معين، فتكتب له تطالبه بمال لتعيش به.
يأتي شاب إلى مكان عمل الفتاة. يتقرب منها، ويعبر لها عن مدى إعجابه بجمالها، ويدعوها للجلوس في محل عام، يتناولان الطعام والشراب، ويقول لها: لا أستطيع العيش بدونك، لو وافقتِ على التعامل معي سأدفع لك مبلغ كذا.
تحس الفتاة بالسعادة، فهو يعرض عليها مبلغا كبيرا، وتوافق، ويعطيها المبلغ الذي عرضه عليها، ثم مبالغ آخرى مقابل لقاءات آخرى عديدة.
تحس الفتاة بالسعادة والزهو، فليس هناك من يدفع كل هذه الأموال لمجرد لقاء مثل هذا، تحس بأن هذا الشاب يحبها بجنون، وإلا ما ضحى بكل هذه الأموال من أجلها. وتنتهى الرحلة، وتذهب لتودعه في محطة القطار، وقبل أن تتحرك العربة التي يركبها، يقول لها: كل الأموال التي أعطيتها لك، مرسلة من أخيك ” فلان ” صديقي.
وتتحرك العربة وهي تصرخ وتسبه وتلعنه.
القصة الأخيرة هذه سمعتها تمثيلية سهرة في إذاعة الإسكندرية من تأليف أحمد عبد الفضيل، يحكي فيها عن شاب جاء من العراق وقابل فتاة، أنفق عليها مبالغ كبيرة مقابل لقاءاته معها، وذهبت تودعه وهو عائد للعراق، فأبلغها قبل تحرك القطار بدقائق: كل الأموال التي أخذتيها مني، مرسلة من أخيكِ – زميلي في العراق واضح أن مؤلف تمثيلية إذاعة الإسكندرية شاهد هذا الفيلم الأجنبي، فنقل منه تمثيليته.
ظهور السرير في حياة الإنسان
للسرير أهمية كبيرة في حياتنا، فإذا غبت عن المنزل لفترة طويلة، أو شعرت بالتعب أو اليأس، أو النشوة أو حتى الحماس الشديد؛ يكون السرير هو المكان الأفضل لإحتواءك في كل هذه اللحظات، فهو محل النوم، والقراءة، وممارسة العلاقة الحميمة، وهو أول ما نشتريه عند الإنتقال لمنزل جديد.
بدأ النوم فوق السرير، منذ أن عاش الإنسان في الكهوف، فقد كانت الأرض بها حشرات، بق وبراغيث ، فناموا في مكان مرتفع تجنبا للإحتكاك المباشر بالأرض. كان السرير من الطين، ففي الأرياف صنعوا الأسرة من الطين أيضا، وبعضهم كان ينام فوق ظهر الفرن، فبقايا النار المشتعلة معظم النهار تدفيء أجساد من ينام فوقها، كما أن النيران تمنع الحشرات من الظهور والبقاء.
السرير كان محور الحياة السياسية
كانت بداية العصر الحديث مشهورة بما يُعرف بـ “أسرّة الدولة”، على حد وصف ساشا هاندلي- المتخصصة في بدايات العصر الحديث – الفترة التي تلت العصور الوسطى، ما بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر- فتقول إن أول من قدم هذه الفكرة الملكان لويس الرابع عشر في فرنسا في قصر فيرساي، وتشارلز الثاني ملك انجلترا، في القرن السابع عشر.
وإنتشرت ثقافة الباروك في هذه الفترة، كجزء من فكرة الحق الإلهي في الملكية – أي أن الملك يستمد سلطته من الله -، وتجسدت قوة الدولة في شخص الملك والملكة، وكلما إقترب الشخص من جسم الملك وروتينه اليومي الخاص، كان من ذوي الحظوة. فأصبح السرير في قلب الحياة السياسية وإستُخدم كساحة للعديد من الطقوس التي يقوم بها الملك كإشارة لتمييز المقربين من أفراد البلاط. ومن بين الطقوس في قصر فيرساي، كان المقربون يُدعون لحضور وقت إستيقاظ الملك وإستعداده لليوم الجديد.
وكانت الأسرة من الأشياء الثمينة التي يرثها الأبناء، ويتراوح عدد المراتب ما بين واحدة وستة- على حسب المكانة الإجتماعية لصاحبها- وغالبا ما يمثل السرير وفُرُشه ثلث ثروة صاحبها. فبعض الأسرة كانت تحتوي على ست مراتب، وتعتبر إرثا قيما. حتى أن ويليام شيكسبير أوصى عند وفاته بأن ترث زوجته ثاني أفضل سرير لديه. وكان هذا إرثا ضخما بمقاييس هذا العصر، إذ كانت الأسرّة تُنقل للجيل التالي بدلا من تخصيصها لزوج على قيد الحياة.
أنواع الأسرة في مصر
منذ أن وعيت للدنيا والأسرة حولي من المعدن الأسود، كان السرير الذي تزوجت به أمي، وسرير جدتي – أم أمي – التي كنا ننام كثيرا في شقتها. سرير بأربعة عمدان كبيرة وعالية، مما يسمح لنا – نحن الأطفال لأن ننام تحته.
لكن سرير خالي – هو في الحقيقة أخو جدتي، لكننا كنا نناديه بخالي – كان سريره من النحاس. عندما عرفت طريق السينمات، شاهدت هذا السرير في قصور الأغنياء والملوك.
وعشنا بعد موت أمي المفاجئ في بداية عام 1955، في بيت جدتي. وإرتبطنا أكثر بأخيها الذي نناديه بخالي، فأخذني أنا وأولاده لزيارة بيت صديقه المقرب، وإكتشفت إكتشافا رهيبا ومثيرا، فسرير هذا الرجل من الخشب، وقد كان الرجل طويلا وعريضا، فأخذت عائلتنا تتحدث عن هذا السرير طويلا في دهشة، كيف سيتحمل الخشب هذا الجسد العملاق. وتوقعنا أن ينهدم السرير تحته في أول ليلة ينام فيها عليه.
وعندما عرفت طريق الكتب إكتشفت إنه حتى مطلع القرن التاسع عشر- سواء في أوروبا أو مستعمراتها – كانت كل الأسرّة تصنع من الخشب، وبحلول ستينيات القرن التاسع عشر، أصبح الناس أكثر وعيا بالجراثيم فإستبدلوا الأسرة الخشبية بالأسرة المعدنية الأسهل في التنظيف. فالأسرة الخشبية كانت بيئة خصبة للقمل والحشرات. وعودة الأسرة الخشبية سببه ظهور المبيدات الحشرية الناحجة والمؤثرة. ففي منطقة غربال التي كانت جدتي تسكنها شيء غريب، كل البيوت مهما علا شأنها أو كبر حجمها فوق أسطحها تصنع أكواخ من الصفيح يسكنها الفقراء، وإشتهر رجل إسمه محمود علبة، يعد مهندس صناعة هذه الأكواخ، يقيم هيكلا من الخشب، ويقدم أصحاب البيت إليه كمية هائلة من الصفائح الفارغة، يشترونها من البقالين، أو من الزبالين الكثيرين في المنطقة، فيفتحها ببلطته ويحولها لرقائق يصنع منها جدران وسقف الكوخ.
هذه الأكواخ تكون مشتعلة في الصيف، وينفد منها مياه المطر في الشتاء، فيغطي الفرش وأرضية الأكواخ.
كنت أشاهد سكان الحارة، يخرجون فرشهم في الصيف وينامون في الحارة هربا من الحشرات التي تلذعهم طوال الليل. لكن إخترعوا علاج عجيب لهذه الحشرات إسمه “بوليس النجدة” زجاجات يرشون بها الأكواخ والحجرات فتقتل البق والبراغيث وباقي الحشرات. عيب هذا السائل العجيب أن كثيرين كانوا ينتحرون به، يشربونه فيموتوا على الفور.
المشاهير كانوا يلجأون أكثر للسرير
تقول ليزيلوت فون در بفالز – قريبة الملك الشمس، لويس الرابع عشر: لم أسمع في حياتي بلحاف محشو برغب البط، فإنني أحتفظ بستة جراء تبعث الدفء في فراشي.
كانت تحتضن ست كلاب صغيرة وهي نائمة لتدفء جسدها. والفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت كان يمضي ست عشرة ساعة من يومه في الفراش، فالسرير يساعده على التفكير السليم.
والشاعر الألماني جوتيه كان يملي أشعاره ومسرحياته وهو مستلق في فراشه.
وكتب رئيس وزراء بريطانيا الشهير – ونستون تشرشل – كتابه ” الحرب العالمية الثانية ” وهو فوق سريره.
والفنان الفرنسي هنري ماتيس كان يرسم أحيانا وهو مستلق على كنبة وقد ألصق فرش الرسم بعصى ليتمكن من الوصول إلى قماشة الرسم.
ونادرا ما نهض العظماء والمشاهير من أسرتهم أمثال الكاردينال ريشيلو – رئيس وزراء الملك الفرنسي لويس الثامن، فقد كان يدير شئون الحكم من سريره الكبير، وفي معظم الأيام لم يكن ليترك سريره أكثر من نصف ساعة حين يذهب لمقابلة الملك، الذي يقابله وهو مستلق في سريره هو الآخر.