عندما تكون الدراما في متهى المحلية فهي تحلق إلى العالمية..
هذا القول ينطبق أيضا على الأعمال الأدبية وغيرها ويكون سببا في فوزها بجوائز عالمية
وهذا الفيلم “هايدي” يتناول علاقة معقدة جدا في جبال الألب السويسرية بين هايدي الصغيرة وجدها المعتزل للحياة تقريبا..
لا أريد أن أحكي التفاصيل ولكن أشير إلى إبداع غير مسبوق من صانعي الفيلم تجاوزوا به المحلية إلى العالمية و معها التعاطف الإنساني مع الصغيرة هايدي صاحبة النوايا الطيبة .
**هناك من الأعمال الدرامية ما يدخل مباشرة للقلب.. يغذى الوجدان يحفز خلايا التفكير لما هو أفضل وأكثر نفعا.. وفى النهاية يساعد على اخراج طاقات الحب والود مصحوبة بالجديد من نبع الإبداع.. انها أعمال يتصدى لها مبدعون حقيقيون.. يدركون قيمة الفن فى النهوض بالمجتمع والحياة.. بالتالى تظل خالدة فى الذاكرة.. حاضرة للاستعادة.. لا ينساها المرء مدى الحياة.
قد تكون هذه الأعمال لم تحقق شهرة عالمية.. تناولت موضوعا بسيطا لم تلجأ للوسائل والأساليب المبهرة.. ليست باهظة التكاليف.. لكنها غنية بالمضمون ويجذبك إليها بساطة التناول والتنفيذ.. منها بالتأكيد الفيلم الألمانى الرائع (هايدى) الذى اختارت الابنة الوفية أن نشاهده معا فى سهرة عائلية.
**يحكى الفيلم قصة فتاة ريفية «٨ سنوات» يتيمة الأبوين.. تعيش مع عمتها فى سويسرا.. ليس لها من أقارب سوى جدها العجوز.. الذى يحيا منعزلا فى كوخ صغير.. يقع فى أحضان الجزء السويسرى من جبال الألب.. حيث يتحدث السكان اللغة الألمانية وحول الجد شائعات بأن وراء عزلته اتهامه بالقتل.. دون أدلة كافية.. يبدأ الفيلم بوصول الحفيدة والعمة إلى المكان.. حيث تتركها عند الباب.. وتحاول طمأنتها.. تطرق هايدى الباب على الجد الذى يرفض ان يستقبلها.. تبدأ رحلة الاعتماد على النفس.. تكتشف باب الحظيرة مفتوحا.. تدخل للنوم بجوار الماعز التى يمتلكها الجد.
**يفاجئ بها عند الصباح.. عندما قدم ليحلب الماعز.. تحدث أولى اشارات التواصل الانسانى.. وذوبان جليد القسوة.. بتقديمه بعضا من اللبن للصغيرة.. وقرار باستضافتها مؤقتا حتى يلحقها بدار للأيتام.. فى القرية القريبة بعد 3 أيام.. سرد خلالها الفيلم اشارات رائعة للتواصل الفطرى بين البشر.. وسماح الجد لها بالنوم داخل الكوخ.. ثم الحاقها بالعمل مع «بيتر» راعى الغنم الصغير.. الذى يمر على الكوخ يوميا تقريبا.. وهنا تتولد بينهما أواصر الصداقة «البرية».. والبريئة.. فهو يحصل منها على نصف طعامها يوميا مقابل تعليمها رعاية الماعز.. ويدعوها لزيارته حيث يعيش مع جدته العمياء التى لا تستطيع تناول الخبز الناشف
**.. وتحتفظ هايدى بهذه الملاحظة فى ذاكرتها وبالفعل فى مشاهد قادمة.. بعد ان خططت العمة لاستعادتها من جدها.. الذى قطع خطوات متقدمة للحفاظ عليها ورعايتها.. فيما يقترب من المؤامرة تنجح العمة فى التحايل عليها وتقديمها لأسرة غنية فى مدينة دوسلدورف الألمانية.. رفيقة لابنتهم كلارا.. يتيمة الأم وتعانى من الشلل النصفى.
**تعيش هايدى حياة جديدة مختلفة عن الحياة المحدودة فى رحاب الجبال.. رغم المغريات والحياة الفاخرة.. لم تنس أبداً جدها.. أو الجبال التى مرحت فى أنحائها ورغم نجاحها فى اجتياز الاختبار الأكبر.. القراءة والكتابة إلا ان أحوالها النفسية والصحية لم تكن على مايرام.. لافتقادها المعانى الرحبة والغنية للحياة بين أحضان الطبيعة.. أصيبت بمرض المشى أثناء النوم.. ورأى الطبيب ان علاجها هو عودتها إلى جدها.. فى القرية.. سافرت بالفعل رغم اعتراض كلارا.. ولكنها حرصت على توديعها وتركت لها نسرا خشبيا صنعه لها الجد واحتفظت به.
**يستقبل الجد «هايدى» بالحب والترحيب.. تحرص على زيارة بيتر.. واهداء جدته الخبز الفاخر الذى احضرته من القصر.. وبعثت لجدة كلارا تدعوها لزيارتها بضيافة جدها.. تتفاعل الطبيعة النقية.. مع مشاعر الحب المتدفق من هايدى إلى كلارا.. وينتهى الأمر بمفاجأة سارة.. بسبب الغيرة حطم بيتر كرسى كلارا المتحرك.. وبسبب تفاعل المعانى الخاصة لطبيعة البسطاء.. تستعيد كلارا قدرتها على السير.. يفاجئ الأب الذى حضر مسرعا لأخذ ابنته.. بهذا التطور المذهل ولا يملك سوى التقدم لها بالشكر.. وفى لفتة مهمة.. تهدى الجدة كتابا جديدا لهايدى.. التى أعلنت بكل شجاعة أمام فصلها.. اعتزالها احتراف مهنة الكتابة.. وهى قادرة على ذلك بفعل ما تمتلكه الطبيعة النقية من قدرات ابداعية.. ومن جانبى أشكر الابنة الوفية.. وأدعو الآباء والأمهات لمشاهدة الفيلم الرائع «هايدى».
صالح إبراهيم