عندما ندرك ما يتعلق بالقطاع السياحي المصري من معلومات ونرصد ما لدينا من مقومات على المستويين المادي والبشري، وعندما نعي الثمرة التي تتمخض عن المجال السياحي سواءً على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو التعاون الدولي، وعندما تتأصل في نفوسنا مبادئ التنمية السياحية والتي تترجمها سلوكيات بعينها، ومنها احترام السائح والترحيب به وتقديم صور المساعدة اللازمة له، والحفاظ على المقدرات السياحية في أرجاء المعمورة؛ فإن هذا يشير إلى ماهية الوعي السياحي.
وكي نؤصل لمفهوم الوعي السياحي لدى أبناء المجتمع المصري يجب أن نعي أهمية المعلومات التي نقدمها له بصورة ممنهجة من خلال المنابر الإعلامية بصورها المختلفة، وعبر الأنشطة المقصودة بمؤسسات التعليم الجامعي وقبل الجامعي، وفي خضم الأنشطة المؤسسية الترفيهية بقطاعات الدولة قاطبة، ناهيك عن منابر التوعية العقدية والمجتمعية وما يدشن من لقاءات ومؤتمرات وندوات وغير ذلك من الفعاليات التي تعزز ماهية الوعي السياحي في نفوس أبناء الوطن.
وحداثة الجانب المعرفي المتعلق بالمجال السياحي مهمة أصيلة لوزارة السياحة والآثار المصرية؛ ليطلع الفرد من خلالها على كافة المعارف الجديدة المرتبطة بهذا المجال المتجدد في خدماته والأصيل في مكنونه ومكونه؛ حيث يتحقق من خلال ذلك تنمية الوعي السياحي الذي يدرك من خلاله الفرد أهمية تراث وآثار بلاد وارتباطه بحضارته المعاصرة والتعرف على أماكنه السياحية، وهذا من المستهدفات الرئيسة للوزارة في الوقت الراهن.
والوعي السياحي يعني ضرورة الاهتمام بالجانب السلوكي أيضًا؛ لنضمن تعاملًا رشيدًا مع قطاع السياحة، ومن مظاهر هذا البعد من نرصده من اهتمام بالغ بالآليات الحديثة التي تستهدف الكشف عن الآثار، وطرائق ترميمها، والعمل على صيانتها، وتسجيلها، وتأمينها، والحفاظ عليها؛ بالإضافة إلى القيام بالدراسات والبحوث الأثرية المرتبطة بها، ناهيك عن تنمية مستدامة تقدم بصورة ممنهجة تعمل على صقل مهارات العمل اليدوي السياحي الذي يقدم أعمال مبتكرة تبهر السائح وتسهم في التنمية السياحية، وهذا ما تعمل عليه وزارة السياحة والآثار المصرية على أرض الواقع.
ويعد الاهتمام بالجانب الوجداني من أولويات تنمية الوعي السياحي؛ إذ ينبغي غرس مجموعة القيم والاتجاهات والميول التي تؤدي إلى تكوين اتجاهات إيجابية نحو قطاع السياحة؛ فيقدم الفرد على المشاركة وتقديم صور الدعم لهذا القطاع المهم، وهذا ينعكس على الممارسات التي تعضد صور العلاقات بين المواطن المصري وشعوب العالم بشكل إيجابي، كما قد يدفع بمحبي المجال بالمشاركة في سبل صناعة السياحة المصرية بتنوعاتها المختلفة، بما يعمل على تعميق التكامل بين مختلف القطاعات المتصلة بالعمل السياحي والأثري، وهذا من الغايات الرئيسة التي تعمل على تحقيقها وزارة السياحة والآثار المصرية.
وثمة ثمرات نجنيها جراء الاهتمام بتنمية الوعي السياحي لدى المواطن المصري، يأتي في مقدمتها تفهمه لدور القطاع السياحي في التنمية المستدامة كونه أحد الروافد المهمة في الدفع بعجلة الاقتصاد؛ حيث توفر مدخلات القطاع النقد الأجنبي الداعم لاقتصاديات الدولة، وهذا يدفع به إلى أن يتفاعل مع البيئة السياحية ويصبح مؤثرًا بصورة إيجابية من خلال شراكته في تقديم الخدمات بأي صورة كانت، ولو توقفت على الترحاب والاستقبال الذي يضفي في نفوس السائحين الفرح والبهجة، ويؤكد حسن التقدير لذواتهم.
وجدير بالذكر أن الوعي السياحي له مردود قيمي تجاه تعزيز ماهية المواطنة؛ حيث إن تقدير الفرد لما تمتلكه بلاده من مقومات سياحية وآثار نادرة ينمي لديه اعتزازه بوطنه ويزيد من انتمائه، بل ويجعله راغبًا في مطالعة تاريخه ومراجعة حقبات حضارته المتجذرة؛ بالإضافة إلى أن الوعي السياحي يؤدي إلى تنمية مقدرة الفرد على التواصل مع المجتمعات الأخرى عبر صور التواصل الثقافي التي تتطلب تفهمًا لطبيعتها وخصائصها وسماتها.
وفي الوقت الراهن نثمن ما تقوم به الدولة من اهتمام بالغ تجاه تنمية الوعي بأنماطه المختلفة؛ إذ نرصد دورًا رائدًا لوسائل الإعلام المصري بمختلف تنوعاتها تجاه تنمية الوعي السياحي لدى المجتمع المحلي والعالمي، بما أدي لحدوث طفرة في هذا المجال، كما أن هناك تخطيطًا مقصودًا للعديد من البرامج التي تستهدف تنمية الكوادر التي يقع على عاتقها تنمية المجالات السياحية بالدولة.
إن التكامل المؤسسي تجاه تنمية الوعي السياحي بات أمرًا لا مناص عنه؛ حيث إن المسئولية مشتركة بين الكيانات الاقتصادية العامة منها والخاصة وسائر المؤسسات المجتمعية والثقافية والتوعوية والتربوية؛ إذ تشكيل جميعها تناغمًا في تحقيق الهدف السامي والذي يتمثل في نهضة المجتمع من خلال تنمية مؤسساته وقطاعاته وخلق مسارات وفتح آفاق من شأنها تصب في مصلحة الاقتصاد المصري وتحسن من مستويات المعيشة وتحقق جودة الحياة المستحقة لشعب كريم في ظل قيادة رشيدة تسعى دأبًا لرفعة البلاد والعباد.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر