مقالة علمية
بقلم: ا.د/ عاطف محمد كامل أحمد-سفير النوايا الحسنة- مؤسس كلية الطب البيطرى جامعة عين شمس استاذ ووكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة والمشرف على تأسيس ورئيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان – مؤسس المحميات الطبيعية في مصر-عضو اللجنة العلمية والإدارية لإتفاقية سايتس- وخبير الحياة البرية والمحميات الطبيعية اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وخبير البيئة والتغيرات المناخية بوزارة البيئة- المستشار العلمى لحديقة الحيوان بالجيزة-الأمين العام المساعد للحياة البرية بالإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية ورئيس لجنة البيئة بالرابطة المغربية المصرية للصداقة بين شعوب العالم
تضم مصر 30 محمية طبيعية تمثل أكثر من 10 في المئة من مساحة البلاد مما يؤهلها لاحتلال مكانة أكبر على الخريطة العالمية والسياحة البيئية أصبحت توجهاً عالمياً خلال الأعوام الأخيرة وتسعى مصر إلى مواكبته ولديها المقومات لتنفيذة.
وتأتي الفنادق على رأس مقومات السياحة البيئية في أي مكان والتي تعرف بـ Ecolodge وهى مختلفة عن الصورة النمطية المتعارف عليها للفندق وتكون متوافقة مع الطابع العام للمكان، وعلى رغم عدم تميزها بالرفاهية الشديدة أو الفخامة فإنها توفر للزائر معايشة نمط الحياة السائد للسكان المحليين من حيث طبيعة العمارة ونوعية الطعام.
ومع تنامي الاهتمام بقضايا البيئة والتنمية المستدامة باتت السياحة البيئية توجهاً عالمياً خلال الفترة الأخيرة، ونالت في مصر اهتماماً كبيراً بها وبذلت جهود لتنميتها سواء من الجهات الرسمية المتخصصة أو من أفراد وشركات مهتمين بهذا التوجه.
وتضم مصر محميات طبيعية متنوعة منتشرة عبر أراضيها وتمثل القاعدة الأساس التي تقوم عليها السياحة البيئية، وفي الوقت ذاته تضم تنوعاً كبيراً في النشاطات المتاح للسائحين ممارستها، فهناك الصحارى الممتدة والمسطحات المائية المتنوعة والتاريخ الطبيعي والتنوع البيولوجي، وكل هذا يمنح مصر فرصاً واعدة ويوفر للسائح المهتم تجارب وبيئات مختلفة نادراً ما تتوافر بهذا التنوع في أي بلد آخر.
وخلال الأعوام الأخيرة وضمن إطار الاهتمام بالسياحة البيئية أُعلنت مدينة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد (600 كيلومتر من القاهرة) كأول مدينة خضراء في مصر والتي تتميز بعدد من المقومات السياحية والأثرية، وفي الوقت ذاته تعمل وزارة البيئة على مشروع لتطوير 11 محمية طبيعية ووضعها على الخريطة السياحية، كما أطلق مشروع “جرين شرم” الهادف إلى تحويل مدينة شرم الشيخ إلى مدينة خضراء من خلال العمل على محاور متعددة ترتبط بالاستدامة، أهمها اعتماد الطاقة النظيفة والتخلص من النفايات وإعادة تدويرها وحماية الحياة البرية وغيرها من الإجراءات التي تعتمدها المدن المستدامة. وخلال الأيام الأخيرة أعلن الانتهاء من مشروع دمج التنوع البيولوجي في السياحة الذي تبنته وزارة البيئة بالتعاون مع جهات متعددة من بينها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر، ويهدف إلى ربط الأنشطة والممارسات السياحية للأفراد بالمحميات الطبيعية. وأعلنت وزيرة البيئة المصرية بأن مشروع دمج التنوع البيولوجي في السياحة استطاع ربط الأنشطة والممارسات السياحية للأفراد بالمحميات، وهو ما انعكس على خلق منتج سياحي بيئي بمستوى عالمي إضافة إلى كونه استطاع إحداث نقلة نوعية في السياحة البيئية كمنتج سياحي بيئي مميز.
السكان المحليون عنصر رئيس في السياحة البيئية ويأتي أهمية دور المجتمع المحلي الذي يعد البطل الحقيقي لجميع أعمال تطوير المحميات وقطاع السياحة البيئية، مشيرة إلى أن المجتمع المحلي بتراثه الثقافي والبيئي وحرفه اليدوية وما يتضمنه من أطعمة وأزياء وأغان هو ما شكل منتجاً سياحياً مصرياً فرياًد ومميزاً.
وتنتشر مواقع عديدة للسياحة البيئية في مصر من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها وغربها إلى جانب تجارب عديدة لأشخاص مهتمين بهذا المجال سواء كانوا من مسئولي الشركات المنظمة للرحلات أو من أصحاب الفنادق البيئية أو القائمين على مؤسسات معنية بالسياحة المستدامة على اختلاف مواقعها داخل مصر، فكيف يري الخبراء واقع السياحة البيئية وفرصه وتحدياته؟
إن “السياحة المرتبطة بالبيئة توجه أخذ في الانتشار داخل مصر خلال الفترة الأخيرة، وهذا له أسباب متعددة أهمها الوعي بمصادر الطبيعة وكيف نحافظ عليها ونستفيد منها، فلدينا في مصر 30 محمية طبيعية تمثل نحو 10 في المئة من إجمال مساحة البلاد لم تكن مستغلة بالصورة الكافية وعدد محدود منها موجود فعلياً على خريطة السياحة البيئية التي ترتبط بصورة وثيقة بالمحميات الطبيعية، فمصر بصورة عامة لديها تنوع في ما يتعلق بتاريخها الطبيعي والحضاري على السواء”.
ولدينا في مصر كثير من المناطق الواعدة ولدينا تنوع كبير في المجال الواحد، فعند الحديث عن سياحة الصحراء، فصحراء مصر الشرقية تختلف تماماً عن الغربية وعن صحراء سيناء من حيث الطبيعة الجغرافية والتنوع البيولوجي، وهناك مناطق تحتاج إلى اهتمام أكبر وإلى وضعها على خريطة السياحة مثل منطقة بحيرة ناصر بكم الجزر الموجودة حولها إذ تضم حياة برية ونباتية شديدة الثراء، وكذلك منطقة مثل جبل علبة بطبيعتها الفريدة وغيرها كثير من المواقع التي يمكن التسويق لها سياحياً بصورة كبيرة وفتح أسواق كبيرة بالخارج، فالسوق الأوروبي شديد الاهتمام بهذا المجال وهناك بعض الدول لها اهتمام شديد بنشاطات معينة مثل مراقبة الطيور وعلى رأسها السوق البريطاني”.
تتميز مصر بتنوع كبير في مقومات السياحة البيئية وحتى يمكن وجود سياحة بيئية على أساس سليم فهناك حاجة ماسة للاهتمام بالخدمات، فلا بد من وجود طرق جيدة توصل للمكان وفنادق بيئية لها اشتراطات خاصة وليس بالضرورة أن ترتبط بالمتعارف عليه في تقييم الفنادق، لأن التجربة بكاملها مختلفة ومتطلبات السائح تختلف، كذلك لا بد من دمج نشاطات متعددة في برنامج السائح لتكون رحلته متكاملة، فمثلاً زيارة محمية رأس محمد يمكن أن يصاحبها نشاطات متعددة مثل الغطس والتخييم ومراقبة الطيور وتسلق الجبال، فتكون تجربة متكاملة للسائح”.
مواقع التراث الطبيعي ومن بين المواقع التي تمثل أهمية كبيرة في مجال السياحة البيئية مواقع التراث الطبيعي، وتعد محمية وادي الحيتان في محافظة الفيوم واحدة من أشهرها، إذ سجلتها “اليونيسكو” كموقع تراث طبيعي خلال عام 2005 باعتبارها تضم هياكل أحفورية لحيتان عاشت قبل 40 مليون عام، وأصبحت مركزاً للسياحة البيئية بمحافظة الفيوم.
وأخيراً انتشرت نوعية معينة من الرحلات المرتبطة بالسياحة البيئية في مصر ومن بينها الرصد الفلكي ومراقبة الحياة البرية والتزحلق على الرمال وتسلق الجبال وغيرها من النشاطات، التي تختلف باختلاف طبيعة المنطقة وتمثل صورة جديدة من صور السياحة التي يمكن تسويقها سياحياً على المستوى الداخلي والخارجي.
الفنادق البيئية
من بين مقومات السياحة البيئية في أي مكان هي الفنادق البيئية التي تعرف بـEcolodge وتمثل مفهوماً مختلفاً عن الصورة النمطية المتعارف عليها للفندق، فهي تكون متوافقة مع الطابع العام للمكان ولا تتميز بالرفاهية الشديدة أو الفخامة لكنها توفر للزائر معايشة نمط الحياة السائد للسكان المحليين من حيث طبيعة العمارة ونوعية الطعام، فهي أشبه بالمنزل التقليدي السائد في المنطقة بحسب طبيعتها، ومن هنا فهي تمثل تجربة مختلفة بالكامل وعنصراً رئيساً في تجربة السياحة البيئية.
إن “الفنادق البيئية تختلف تماماً عن مفهوم الفنادق الذي يتوقعه السائح الراغب في السياحة الترفيهية، فالفندق البيئي من بين اشتراطاته أن يكون مكاناً بسيطاً بأقل الإمكانات ويوظف موارد البيئة المحلية المتاحة، ويبنى بطابع العمارة التقليدية للمنطقة أياً كان طابعها ويوفر الطعام من مزروعات البيئة المحيطة ويكون العاملون فيه من السكان المحليين، وفي الوقت ذاته يعتمد جميع مفاهيم الاستدامة مثل توفير الطاقة وتدوير المخلفات وتصنيع الأثاث بصورة بسيطة وبخامات البيئة المحيطة”.ويضيف “مصر لديها فرص واعدة في مجال السياحة البيئية على جميع المستويات لكن أحياناً يكون التخوف من أن الإقبال الشديد على مكان بيئي يمكن أن يؤدي للإضرار به أو بموارده الطبيعية، وأن يؤدي لانتشار خدمات لا تتلاءم مع طابع المكان لمواكبة الأعداد الكبيرة من الزوار مثل إنشاء مبان خرسانية أو اعتماد أساليب غير مستدامة، وهنا نحتاج إلى رفع الوعي بأهمية السياحة البيئية بالحفاظ على الموارد الطبيعية وتوضيح فكرتها ومفهومها في مناهج التعليم ووسائل الإعلام ومراكز الشباب وغيرها، وفي الوقت ذاته فتح أسواق خارجية لهذا النوع من السياحة”.ويتابع “في الوقت ذاته لا بد من إشراك السكان المحليين في تنمية هذه المناطق باعتبارهم جزءاً منها وتراثهم وثقافتهم وحرفهم المحلية تمثل جزءاً من التجربة التي يعيشها زوار المنطقة، لتعود عليهم السياحة البيئية بالنفع بزيادة دخلهم وتوفير فرص العمل في منطقتهم بعد وضعها على خريطة السياحة الداخلية والخارجية”.