مرشهر أكتوبر هذا العام, ومرت معه احتفالات شعب مصر بنصر أكتوبر1973 العظيم, ولم ينقطع أملى من ظهور عمل سينمائى كبير, يتناسب مع عظمة ومكانة هذا الحدث الجلل فى تاريخ العسكرية المصرية.
أقول ذلك وفى ذهنى الحالة التى خلفهامسلسل الاختيار عند عرضه فى شهر رمضان الماضى من ارتفاع روح الوطني فى الشارع المصرى خاصة بين فئة الشاب من س 14 عاما حتى سن 19 عاما, وهى الفئة التى لم تتأثر طوال العشر نوات الماضية بحملات التشويه الممنهجة ضد مصر, اما الفئة الثانية فهم الشباب من سن العشرين حتى 35عاما لذين نالهم مانالهم من تلك الحملات بعدما تعرفوا على حقيقة بطولةالشهيد المنسى الذى صار مثلا أعلى لشباب مصر
ففى الوقت الذى يستحدث فيه الغرب نماذج لأبطال أسطوريين من حى الخيال, ليكونوا المثل والقدوة للشباب مثل شخصية “رامبو” فإن سجلاتنا مليئة بأسماء العشرات بل المآت والآلاف من أبطال وشهداء حرب أكتوبر 1973 التى بدأت فى الحقيقة مع حرب الاستنزاف التى استمرت ست سنوات لم تقتصر البطولات خلالها على أفراد القوات المسلحة المصرية بل تبارى معهم فيها أفراد الشعب بدءا من أهالى الزيتية فى السويس وأهالى بورسعيد والاسماعيلية الذين تم تهجيرهم من مدنهم فلم يعترض فرد واحد منهم, وصولا لملحمة الاستنزاف بكل مافيها من استعداد وتحضير لحرب أكتوبر, والتدريب على الأسلحة الجديدة, وعبور القناة, واقتحام خط بارليف, وبطولات رجال الصاعقة والدفاع الجوى والقوات الجوية.
فرغم أن كل بطل أو شهيد لايفى بطولته عمل درامى أو سينمائى مستقل إلا أن مجموع بطولاتهم هو ماحقق النصر الذى مازلت مقتنعا بضرورة أن تتولى الدولة تجسيده بإنتاج فيلم روائى كامل عن حرب أكتوبر 1973 لاتقل مدته عن 4ساعات يبدأ بهزيمة يونيو 1967 وماتلاها من فترة حرب الاستنزاف والاستعداد لحرب 73 , على أن تخصص الساعتان التاليتان لملحمة العبور واقتحام قناة السويس حتى تحقيق النصر واستعادة الأرض.
ومثل هذا الانتاج الضخم يستدعى الاسراع فيه قبل خروج الأسلحة المشاركة فى الحرب من الخدمة , ولضمان الاستماع للأمجاد من شهود العيان الذين عاصروا الحرب, والأبطال الذين شاركوا فيها وحققوا أعظم وأغلى انتصار لشعب مصر فى العصر الحديث.
يقول جبران خليل جبران: نحن أمة تحتضر ولا تموت، قد احتضرت ألف مرة ومرة ولم تمت، وستحتضر ألف مرة ومرة وتظل حية، نحن شعوب تغلب وتخضع فى ظاهرها، ولكنها تبقى ظافرة في طويتها، نحن الأقوياء بضعفنا، المنتصرون بانكسارنا، نحن الذين نأكل قلوبنا طعاما, ونشرب دموعنا خمرا, غير أننا لا نلوي أعناقنا, ولا نحول وجوهنا عن الكواكب.
نحن عقدة لم تحلها الأيام وستبقى غير محلولة، نحن باب ضاعت مفاتيحه, وسنظل بابا موصدا يحجب وراء مصراعيه أسرار الأزمنة الغابرة وأسرار الأزمنة الآتية، نحن نندب, وفى ندبنا همس الحياة، وغيرنا يهلل, وفى تهاليله تأوه الموت. نحن صرخة تخترق غلاف الأثير، أما سوانا فضوضاء تزعج الهواء، تقلق الأزقة والشوارع. نحن أغنية قديمة ترددها الذكرى كل صباح وكل مساء، أما غيرنا فلغط فى لجة ولفظ في هاوية. نحن جبل راسخ مقيم، أما سوانا فاشباح تأتى مع الظلام وتضمحل بإضمحلال الظلام.
نحن أمة قوية بضعفها، جليلة بأضمارها، تتكلم وهى صامتة وتعطي وهي تتسول، نحن حمل اجمة، أما عدونا فينظر إلينا من شاهق, ثم يهبط ويقبض علينا بمخالبه, وينهش أجسادنا بمنقاره مستطيبا طعمنا، ولكنه لا يستطيع ابتلاعنا ولن يستطيع ابتلاعنا. نحن نسكن على ملتقى الطرق، فما مر بنا فاتح إلا وغرس السيوف في حدائقنا, والرماح في حقولنا, متوهما أنها ستنبت غارا يكلل بها رأسه، ولكنها لا تنبت سوى الشوك والحسك. تقولون أننا فقراء محتاجون. نعم، نحن فقراء, لأننا لم نتعلم السرقة وفنون الإحتيال والغزو والنهب، فلم نحصد قط سوى ما زرعنا, ولم نلبس سوى ما غزلنا. نحن قوم نبتسم لمن يضحك لنا, ولكننا لا نضحك معه، نحن قوم نتقلد ضيوفنا والوفود المبعوثة إلينا، ولكننا لا نلبث أن نعود إلى ما بنا عندما يرحلون عنا، ونحن قوم فى جلودنا لين ونعومة، أما عظامنا فكثيفة كعروق السنديان، ونحن قوم نلبس لكل حالة لبوسها, أما قلوبنا فتظل في مأمن من الأطوار والتطور، وأما أرواحنا فتظل في جوار الله.
توفيت الدادة التي قامت بتربيته وكان مسافرا ، ورفضت عائلته ان تدفن الدادة مع والدته ، فاتصلوا به ليسألونه عن رأيه ، ليجيب في الحال : “تدفِن مع أمى طبعاً, هو فيه بيه و باشا في المـوت؟! عجايب عليكم ياناس عجايب! “
وعندما توفى أوصى بسيارته للسائق, والمطبخ والسفره للطباخ, وباقي الأثاث لدار الأوبرا المصرية الذى كان رئيسها. إنه الفنان الإنسان سليمان نجيب رحمه الله