انطلقت منذ عدة أيام قمة أذربيجان المناخية “كوب 29” ، وفي كل عام يتجدد اللقاء الأممي من مشارق الأرض ومغاربها في مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف لبحث ما آلت أحوال الأرض عسي أن يتوافق الجميع للتوصل إلى حلول عملية ومستدامة للخروج من المأزق البيئي الراهن،وتأمين التمويل اللازم لدفع فاتورة الجحيم المناخي المتصاعد !.
ومع انطلاق الدورة التاسعة والعشرين للمؤتمر ، ما يزال أبناء المعمورة وخاصة من المهتمين بقضايا البيئة والمناخ يتطلعون إلي عالم أكثر أمنا وأكثر توافقا علي إيجاد حلول حاسمة ومستدامة للقضايا البيئية ،وعلي رأسها تداعيات التغيرات المناخية التي أمست كنذير الدمار الذي يأكل الأخضر واليابس، ومن قبلها القضايا الإنسانية والتي تلقي بظلال وتأثيرات قاتمة علي البيئية الطبيعية ومشروعات التنمية المستدامة.
كما تتوق الشعوب وأصحاب الضمائر الحية ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات أصدقاء البيئة إلي أن تنال التحديات والمشكلات البيئية ما تستحقه من إهتمام وأن تضطلع الدول المتسببة في الكوارث البيئية المتتالية وآثارها السلبية المتفاقمة بمسؤولياتها، أو تتخذ قرارات فاعلة نحو تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتخفيض الانبعاثات الكربونية.
كما يأمل الكثيرون من مشارق الأرض ومغاربها في ضرورة الدراسة الواعية للوضع البيئي الراهن والتقييم العادل لنتائج وتوصيات القمم السابقة وتقديم كشف حساب يتضمن ما تحقق من إنجازات وإيجابيات ورصد الإخفاقات بكل شفافية وأمانة ،ولو علي المستوي القريب نسبيا ،اعتبارا من قمة باريس المناخية عام 2015م “كوب 21” باعتبارها هو أول اتفاق عالمي بشأن المناخ، وانتهاء بقمة الإمارات “كوب28″،والخروج بتوصيات ملزمة لتعزيز الاستثمار البيئي والشراكات التي تضمن توفير مظلة قوية لحماية كوكب الأرض والإبقاء علي توازنه الطبيعي ،وثرواته واستدامة صلاحيته للحياة الآمنة.
وتمثل الدورة الحالية لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP29)،والتي انطلقت في باكو، أذربيجان، اعتبارا من 11 إلى 22 نوفمبر 2024، فرصة محورية لتسريع العمل من أجل معالجة أزمة المناخ ،خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى مستويات قياسية، وتأثير الظواهر الجوية المتطرفة على الناس في جميع أنحاء العالم.
ولاريب أن المؤتمر من الممكن أن يكون لحظة مهمة ومحطة فارقة ،لو صدقت نوايا وإرادات الدول وخاصة الدول الكبري الفاعلة لتقديم خطط عملها الوطنية المحدثة بشأن المناخ بموجب اتفاق باريس، والتي من المقرر أن تكون بحلول أوائل عام 2025، إذا نُفذت هذه الخطط بشكل صحيح، فإنها ستمنع درجة الحرارة العالمية من تجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة وستتضاعف كخطط استثمارية تعزز أهداف التنمية المستدامة.
وقبل انعقاد مؤتمر المناخ “COP29″، اجتمع زعماء العالم في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك واعتمدوا ميثاق المستقبل الذي وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بأنه “يعمل على تعزيز أهداف التنمية المستدامة واتفاقية باريس، وتسريع الانتقال العادل بعيدا عن الوقود الأحفوري، وضمان مستقبل سلمي وقابل للعيش للجميع على كوكبنا”.
وقد شهدت هذه الدورة مناقشات واسعة وبالأساس على التمويل، حيث أن هناك حاجة ملحة إلى اعتماد “تريليونات الدولارات” لكي تتمكن البلدان من خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل كبير وحماية الأرواح وسبل العيش من الآثار المتفاقمة لتغير المناخ.
وبقراءة أولية لمناقشات المؤتمر سنلمح العديد من الخلافات في رؤي الدول الأعضاء، بالتزامن مع اتساع الفجوة بين الدول الغنية والدول النامية في المناقشات حول أهداف تمويل العمل المناخي، في خطوة من شأنها أن تهدد فعالية قمة “باكو”،والخروج بنتائج إيجابية.
يأتي هذا بعد أن فشل الأسبوع الأول في مفاوضات قمة المناخ كوب 29 من إحراز الكثير من التقدم بشأن مقدار الأموال التي يجب على الدول الغنية دفعها للدول النامية من أجل المساهمة في خفض الانبعاثات والتعامل مع ارتفاع مستويات البحار ودرجات الحرارة.
ومن أمثلة هذا الخلافات ما أعلنته العراق ورفضها للدعوات المطالبة بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، مشددة على ضرورة مراعاة خصوصيات الدول.
وأكد الوفد العراقي في قمة المناخ سعي بغداد للتكيف مع المعايير البيئية العالمية بما يتناسب مع الخصوصية المحلية!.
ومن جانبه دعا الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش”، قادة دول مجموعة العشرين إلى بذل جهود “قيادية” من أجل تحقيق “نتيجة إيجابية” خلال مفاوضات قمة المناخ “كوب 29”.
واعرب جوتيريش، خلال مؤتمر صحفي في ريو دي جانيرو؛ خلال حضوره لقمة العشرين عن قلقه بشأن وتيرة المفاوضات في قمة “باكو”،وشدد على أن “الفشل ليس خيارا”، قائلا: “لا يزال التوصل إلى نتيجة إيجابية بقمة المناخ في متناول اليد، لكن الأمر يتطلب جهوداً قيادية وتنازلات من دول مجموعة العشرين”.
كما شدّد على أن “الأضواء مسلطة” على مجموعة العشرين المسؤولة عن 80% من غازات الاحتباس الحراري في العالم.
وبعد أسبوع من المفاوضات المكثفة برعاية الأمم المتحدة،
وصلت المفاوضات بين الدول الغنية والنامية إلى طريق مسدود؛ مما يعقّد عمل وزراء نحو 200 دولة من الحضور.
ولا يزال الخلاف على أشدّه حول كيفية تعبئة مبلغ “تريليون دولار” أو أكثر والذي يُعد ضروريا لمساعدة الدول النامية على تقليل اعتمادها على النفط والتكيف مع الكوارث المناخية.
كما تطالب البلدان الفقيرة ببذل جهد إضافي من جانب الغربيين الذين يَعُدون من جانبهم أن هذه المبالغ ضخمة وغير واقعية بالنسبة إلى مواردهم المالية العامة؛ إذ تتحدث الولايات المتحدة وكندا باستمرار عن حد أدنى يبلغ “100 مليار دولار”.
وعلي سبيل المثال فقد ذكرت تقارير أن فاتورة التخلص من الوقود الأحفوري في أوروبا وحدها تتجاوز 2 “تريليون دولار”!.
وقبيل يومين من ختام المؤتمر ما تزال الآمال تتأرجح وسط حالة من الجدل والصعوبات التي تواجه مؤتمر “كوب 29” لمكافحة التغير المناخي..
وبعد ما يزيد عن ربع قرن من المباحثات والمناقشات بين
أغلبية دول العالم والعشرات من المنظمات غير الحكومية المهتمة بمكافحة تغير المناخ في النقاش المستمر ،لا يتوقع أن يحالف النجاح هذا المؤتمر أيضاً، مثل بقية المؤتمرات السابقة، حيث يكمن السبب في وجود تحديات مرحلية ومستجدة، وأخرى مزمنة تجد صعوبة في الوصول إلى اتفاق حولها.
ويري المراقبون أن التحدي المرحلي الصعب ل “كوب 29” ،سيأتي خلال الأيام المقبلة مع انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، فمواقفه واضحة،ومحددة سلفا من خلال تجربته خلال عهده الأول في البيت الأبيض قبل أربع سنوات، حيث سحب عضوية أمريكا من “اتفاقية باريس” الراعية لهذه المؤتمرات.
ومن بين تصريحاته المتكررة أن الطاقات المستدامة تضعف الاقتصاد الأميركي؛ لأنها تزيد من تكاليف الإنتاج للسلع الأميركية أمام السلع العالمية الأخرى، ولأنها أيضاً تقلص من فرص العمل للأيدي العاملة الأميركية، كما أعطي “ترامب” الشركات النفطية حق التنقيب عن النفط في الأراضي والمحميات الفيدرالية الأميركية، بدلا من اهتمامه بمشروعات الطاقة النظيفة.
ويبدو أن مفهوم العدالة المناخية سيظل حلما صعب المنال أمام قوي الهيمنة والنفعية المطلقة ،وحتي إشعار آخر!!.