لا يزال بعض شيوخ الفضائيات الدينية ومواقع التواصل الاجتماعى يطاردوننا بفتاوى غريبة وعجيبة تعطى انطباعا سيئا عن تعاليم الإسلام وترسخ ثقافة قهر الرجال للنساء.. وهى ثقافة ذكورية لا يقرها الإسلام ولا يعترف بها، لكنها للأسف تسيطر على عقول بعض من يتصدون للفتوى خاصة من أتباع الجماعات والتيارات الدينية فى مصر.
المفاهيم الخاطئة عن الطاعة الزوجية وسيلة لاستعباد النساء فى بيوت أزواجهم ومن تصدر عنهم مثل هذه الفتاوى لا يدركون حدود الطاعة الزوجية.. ولذلك يستند إليها كثير من الرجال لارتكاب سلوكيات مرفوضة ومدانة شرعا ضد زوجاتهم، وتصل الحماقة ببعضهم الى ممارسة العنف تحت ستار القوامة على الزوجة ووجوب طاعتها له.
من الفتاوى المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى فتوى لشيخ سلفى شهير تلزم المرأة بتناول الطعام الذى يأمرها به زوجها دون أن يكون لها حرية اختيار الطعام الذى تشتهيه.. وهذا فى الواقع قول عجيب غريب لم نقرأ أو نسمع عنه فى كتب الفقه ولا فتاوى علماء الشريعة الموثوق فى علمهم وفقههم.. وعلى هذا النهج فتاوى كثيرة تقيد حريات المرأة وحقوقها فى بيت الزوجية تحت ستار”الطاعة الزوجية الواجبة”.
من المؤسف أن يغفل بعض من يتصدون للإفتاء أن الإسلام يقيم العلاقة بين الزوجين على أساس من الحب والتفاهم والاحترام المتبادل، فتوجيهات الإسلام تحث الزوجين على إتباع كل ما يعمق مشاعر الحب، ويضاعف من المودة والألفة والرحمة بينهما، وتجنب كل ما يؤدي إلى البغضاء والكراهية، فالعلاقة بين الزوجين هي في حقيقة الأمر علاقة سكن ومودة ورحمة ولن تتحقق هذه المعانى
2 / 3
الإنسانية إلا إذا كان بين الزوجين تفاهم ورضا وسكينة وكان الزوج عونا لها على مواجهة مسؤوليات الحياة الزوجية.
نعم.. الزوجة مطالبة شرعا بطاعة زوجها فى غير معصية الخالق عز وجل، ولذلك هى مطالبة شرعا بإعداد الطعام الذى يرغبه زوجها ويشتهيه.. لكنها ليست ملزمة بتناول ما يشتهيه الزوج من طعام وشراب طالما كان هناك بديل آخر مقبول لها لا يمثل عبئا ماديا على الزوج وكان قادرا ماديا على توفيره لها.
الإسلام فرض على الزوج أن يتعامل مع زوجته باحترام وتقدير لحرياتها الشخصية، فهو ليس سيدا يأمر فيطاع، ولذلك يطالب كل زوج يسيطر على عقله هذا المفهوم أن يراجع نفسه، فالزوجة ليست خادمة فى منزل الزوجية، بل هى زوجة ودودة يجب احترامها وتقدير مشاعرها وإقامة علاقته بها على أساس من الحب والتفاهم والاحترام المتبادل.. ولذلك يحث الإسلام الزوج على التعاون مع زوجته في الأعمال المنزلية، وكان يفعل ذلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد كان رسول الله يشارك زوجته وبناته في قضاء حوائج البيت كما جاء في الحديث الشريف عن السيدة عائشة رضي الله عنها، فمساعدة الزوجة في أعمال البيت ليست عيبا، ولا نقيصة في حق الرجل، بل هي من الفضائل، خاصة إذا كانت المرأة تحتاج إلى المساعدة.
على كل زوج أن يعلم أن الإسلام ألزم المرأة بطاعة زوجها فيما يخص حقوقه الزوجية والاحتباس فى البيت، وبشرط ألا يكون فى هذه الطاعة قهر للمرأة واستعباد لها، فلا طاعة لزوج فى أمر يفوق طاقة الزوجة، فقد يطلب الزوج من زوجته أمرا ليس فيه معصية، ولكن فيه قسوة واستعباد وظلم، وهنا تكون المرأة غير ملزمة شرع بتلبية مطالبة، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها.. ولذلك يجب أن يتخلى الرجال عن تقمص أدوار “سى السيد” فى البيت، وأن يحاول الزوج إكراه زوجته على طاعته فى كل شىء فهذا سلوك عنيف لا يرضاه الإسلام للزوجة، والتى هى سكن وشريكة للزوج فى كل شىء.
علماء الإسلام الذين يوضحون الأحكام الشرعية للناس من خلال لجان الفتوى المنتشرة فى كل مكان الآن، أو من خلال وسائل الاعلام المختلفة يجب أن يقولوا كلمة الحق فى السلوكيات الشاذة والغريبة لبعض الرجال الذين يستعبدون نساءهم، وأن يوضحوا رأي الإسلام الصحيح في كل ما يعرض عليهم من قضايا ومشكلات أسرية، ولا يناصروا الرجال فى مطالب غير مشروعة، والإسلام لم يقل أبدا بقهر المرأة في البيت، ومصادرة حريتها وتحويلها الى مجرد خادمة للزوج، فمن حق
3 / 3
المرأة أن تعتذر عن بعض مطالب الزوج الذى تسبب لها إرهاقا ومعاناة بدنية أو نفسية.
نذكر الأزواج والزوجات بقول الحق سبحانه:”ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لستكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”، وهذا يعنى أن العلاقة بين الطرفين يجب أن تنطلق من هذه المعانى الإنسانية ولا تحيد عنها، فلا تسلط ولا قهر ولا عنف من طرف ضد شريك حياته، ولو فهم بعض الرجال من قول الحق سبحانه: “الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله”. أنهم آمرون ناهون متسلطون فى البيوت فهم مخطئون وعليهم سؤال أهل العلم، فقد أوجب الله تعالى على الزوجة أن تطيع زوجها كما أوجب عليه القيام بحقوقها كاملة لقوله تعالى: “ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف”، ودرجة القوامة التي منحها الله عز وجل للأزواج لا تحط من قدر المرأة، ولا تقلل من شأنها وإنما الغرض منها تنظيم المعاملة وتطبيق القوانين واللوائح السماوية والالتزام بالحدود الشرعية حيث يقول تعالى: “وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه”.
احترام الزوج لزوجته وتقديره لمشاعرها أمر مطلوب ومقرر شرعا، وإذا كنا نطالب باتباع أمر الله فى طاعة المرأة لزوجها وحفظها لكل ما يجب الحفاظ عليه مما يمس كرامته، فعليه هو أيضا أن يساعد زوجته على أن تكون صالحة مطيعة وذلك باحترام حقوقها، وتقدير مشاعرها”.
للأسف.. كثير من الرجال الآن ينقصهم تعلم آداب التعامل مع نسائهم من تعاليم وأخلاقيات الإسلام، فجهل كثير من الرجال بالتعاليم الشرعية المنظمة للعلاقة بين الزوجين وراء كثير من التجاوزات التى تحدث فى محيط الأسرة.
b_halawany@hotmail.com