تحتل الجامعة مكانة مرموقة بين المؤسسات المجتمعية بكافة الدول وفي القلب منها مصر الحبيبة؛ حيث إن المهمة الرئيسة المنوطة بها تكمن في إعداد جيل تلو الآخر من أجل تأهيله لسوق العمل المتنوع والمتطور والمتعدد، ومن ثم تعمل الجامعة من خلال برامجها المتخصصة على صقل الخبرات في صورتها الفنية والمهنية والفكرية.
ويخرج من الجامعة من يمتلك مهارات القيادة المؤسسية، ومن ثم تعد الجامعة بوابة رئيسة لشغل مناصب قيادية وتنفيذية وسياسية واجتماعية مؤثرة تساعد في إدارة شئون الدول وتعمل على تحقيق غاياتها العليا وتساهم في تنفيذ خططها الاستراتيجية في مجالاتها المختلفة، ومن ثم تحرص على المشاركة في التطوير المؤسسي وفق رؤى طموحة مبنية على أسس نظرية وفلسفية قابلة للتحقيق على أرض الواقع.
وتؤدي المؤسسة الجامعية مهمة قومية تتمثل في خدمة المجتمع المحلي؛ حيث تقدم الخدمات النوعية التي تخدم أفراد المجتمع بأطيافه المختلفة، سواءً أكانت توعوية، أم استرشادية، أم علاجية، أم تعليمية، أم تقوم على شراكات فاعلة بين مؤسسات إنتاجية كانت أو خدمية، ومن ثم تتعدد أطر التواصل بين الجامعة وكافة المؤسسات بالدولة وتستقبل بصورة منظمة بمراكزها الخدمية الجمهور الذي تقدم له ما يلزم من خدماتها سالف الذكر.
وتعد الجامعة بوتقة الخبرة التي تقدم كافة ما لديها من دعم لمشروعات الدولة القومية، وتشارك في الارتقاء ببرامج مؤسساتها الرسمية وغير الرسمية؛ فالجامعة تمتلك من خبرات عديدة ومتنوعة في شتى المجالات، ومن ثم تستطيع أن تحدث نقلة نوعية في نهضة الدول، وتقدم حلولًا ناجزة لحل المشكلات والتغلب على التحديات، وتساهم في بنى الابتكار بكافة مستوياته كي تستطيع مؤسسات الدولة أن تحقق ماهية الريادة والتنافسية فيما تؤديه من أعمال وما تفرزه من نتاج.
وثمة دور وظيفي تقوم بها الجامعة من خلال بوابة البحث العلمي حيث تجري العديد من البحوث التي تتناول المشكلات المجتمعية وتعمل على حلها بصورة منهجية قابلة للتطبيق، كما تضع رؤى مستقبلية لآليات الدعم الخاص بالإنتاج بمجالاته المختلفة عبر سيناريوهات علمية يمكن الإفادة منها والعمل على تطبيقها بواسطة المؤسسات المعنية، ومن ثم لا يتوقف الأمر عند حد تقديم الحلول والمعالجات، بل يمتد لمراحل التنمية في صورتها الآنية والمستقبلية، وهذا ما يؤكد ضرورة تعزيز البحث العلمي بتوفير المزيد من الدعم اللوجستي المخصص لميادينه المختلفة.
وتساعد الجامعة في تشكيل البنى المعرفية لدى منتسبيها؛ حيث تعضد الفكر الصحيح من خلال الاهتمام بتنمية مهارات التفكير بأنماطها المختلفة؛ فمن يمتلك مهارة التفكير الناقد يتمكن من القيام بالتحليل والاستنتاج والاستنباط والخروج بالشواهد وتقديم البراهين والحجج، ومن ثم يستطيع أن يصدر أحكامًا سديدة، ويتخذ قرارات صائبة، ولا يقع فريسة للشائعات المغرضة التي تعد من مسببات تشويه الفكر.
وهناك ارتباط وثيق بين ما يمتلكه الفرد من مهارات تفكير عليا وما لديه من بنى معرفية صحيحة؛ حيث يستطيع من خلال ذلك أن يتعامل مع الآخرين مباشرة ومعهم عبر إفرازات التقنية بشكل آمن، ويمكنه أن يؤدي ما يوكل له من مهام بحرفية وإتقان، ومن ثم يثق في نفسه ويقدر ذاته ويرصد ويصنف الإيجابيات والسلبيات بكل سهولة وهذا في مجمله يؤهله لأن يتكيف ويتواءم مع مفردات العالم المتغير ومع الوظائف التي باتت متغيرة الحالية منها والمستقبلية.
ومن متطلبات بناء الإنسان العمل على تكوين الشخصية السوية التي تستطيع أن تدير الذات بصورة متزنة وفق ملاحظة دقيقة وتقويم مستمر لما يؤديه الفرد من ممارسات وكذلك الآخرين، ومن ثم تحرص البرامج الجامعية على الاهتمام بالجانب الوجداني لدى الفرد وتفرد له مقررات ومساحة لا بأس بها في برامجها الأكاديمية والمهنية على السواء؛ فما يواجهه الإنسان من عصف تقني قد تتسبب في إضعاف المشاعر والأحاسيس لدى الإنسان فيصبح شبيهًا للآلة.
ونود الإشارة إلى أن هناك العديد من الأنشطة التي تفرد له البرامج الجامعية مساحة خاصة كي تعمل على غرس الولاء والانتماء وتنمي الذكاء العاطفي لدى الفرد، وتساعده في أن يكون علاقات اجتماعية جيدة مع الآخرين، وتمكنه من مهارات التواصل الكلي التي تنعكس على مردود أفعاله خاصة عندما ينخرط في ميدان العمل، وهذا بالطبع يعينه على التأقلم والتحمل وأن يهتم بتطوير ذاته ومهاراته بصورة مستدامة.
ومن المهام التي تتضمنها البرامج الجامعية تنمية المهارات القيادية لدى منتسبيها بمستوياتها المختلفة؛ حيث تشمل في طياتها التفاوض والتواصل الفعال مع الآخرين، والمثابرة من أجل الوصول للنتائج المستهدفة، وهذا بالطبع يساعد الفرد في أن يتخذ القرارات المدروسة ويجري المفاوضات التي تصب في صالح العمل؛ بالإضافة إلى أنها تضفي على الفرد تقديره لذاته، وللآخرين، وتحقيق الثقة، والالتزام.
وسوق العمل المتغير يحتاج بكل تأكيد لفكر استراتيجي يحمل بين طياته بصمات الابتكار التي تحدث تغييرات إيجابية نتطلع إليها، وهذا بالطبع ينعكس بصورة إيجابية على المستويين المادي والمعنوي، ويجعل من القائد أنموذجًا يقتدى به، وملهمًا لغيره كي يحاول بكامل جهده أن يقدم أفضل ما لديه، ونذعن بأن ذلك بوابة رئيسة لبلوغ التنافسية والريادة على حد سواء.
وهناك العديد من المناهج البحثية التي تتبناها البرامج الجامعية بسلمها التعليمي، وتشكل ضرورة في إعداد الفرد وتأهيله ليواجه بها التحديات والتعقيدات الناجمة عن كم المعلومات والبيانات والنتائج والإحصائيات؛ فهناك مهارة ضرورية تُحدد مسار العمل بصورة مقصودة ومدروسة؛ لترصد بدقة بديلًا من البدائل المطروحة، بغية تحقيق هدف مرسوم بعينه، وهي مهارة اتخاذ القرار، والتي تمر حتمًا بخطوات معلومة تبدأ بتحديد المشكلة أو القضية بصورة دقيقة وفق معايير أو مؤشرات واضحة لبيئة العمل، ثم مرحلة جميع البيانات أو المعلومات المتاحة وذات الصلة بالمشكلة أو القضية التي تم تحديدها من مصادر موثوقة سواء بطريقة فردية أو بواسطة فريق العمل، يلي ذلك تحديد البدائل وتحليلها واختيار البديل الأمثل، وهذا ما يُشكل صناعة القرار تمهيدًا لتنفيذه والوقوف على فعاليته عبر تقييم نتائجه، وفي ضوء ما يتخذ من قرارات يتأثر سريان العمل بصورة مباشرة في الاتجاه المرغوب فيه من عدمه.
وما ذكرناه ما هو إلا إطلالة مقتضبة ومختصرة لأدوار الجامعة بشأن إعداد الفرد لسوق العمل المتغير؛ حيث إن مهارات القرن الحادي والعشرين أضحت متجددة في خضم تدفق معرفي وصناعة للمعلومات وتقدم تقني مبهر في المجالات المختلفة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر