بسقوط الدولة السورية… مطلوب من كل من ضربت عقولهم الغيبوبة ضرورة التفكر وإدراك مخاطر “السيناريو الصهيوأميركي” المتواصل الدورات في المنطقة المنتكبة بما يُسمى “مشروع الإسلام السياسوي”؛ والذي تعيش المنطقة راهناً أسوأ فصوله، بدءاً بالعراق وليبيا واليمن والسودان، ومن قبلهم دولة لبنان “المختبر الأول” كنموذج لاستصناع “دولة رخوة”. وكلها مُقدمات مدروسة لاستهداف “الدولة المصرية” شعباً ونظاماً ودولة!!
فهذا السرطان المتمثل في “الإسلام السياسوي” بطوره الحديث والمستصنع في المعامل الاستخباراتية الاستراتيجية الغربية؛ يُنَفِّذُ بشراسة كبيرة كل المطلوب منه وبسيناريوهات متنوعة. بدءاً من التجهيز والتمويل، والتدريب والتخطيط والإسناد والإمداد المعلوماتي؛ إلى أن تدين له الدولة المستهدفة؛ وتصبح طوع يديه.
سقوط الدولة العراقية قد بدأ بعدوان عسكريتاري استعماري أميركي أدى لتسريح جيشها؛ فنشطت “الطوائف” و”العرقيات” و”الجماعات المتأدلجة” عبر ميليشياتها المجهزة بفكر وتجارب “تنظيم القاعدة – المستصنعة أميركياً في أفغانستان” ومتطوراتها الفيروسية مثل “داعش”. والأمر ذاته حَدَثَ بطرائق متعددة أسلوباً، لتنفيذ الأجندة ذاتها في بقية الدول المذكورة سابقاً؛ اعتماداً على “تدمير الجيوش الوطنية” بالضربات المباشرة؛ أو إنهاكها بالميليشيات الداخلية ثم تفكيكها وتسريحها؛ تحقيقاً لمستهدف تفتيت الدولة نظاماً ووجوداً.
وهو الأمر الذي ظهر في سوريا أخيراً؛ ليؤكد صحة قراءة الظاهرة الكوارثية، والتي تستهدف في الأساس هدمَ وإعطالَ “العقيدة الإسلامية بجوهرها الصحيح” في أرضها الأساس؛ لصالح “العقيدة الماسونية المتصهينة”؛ صاحبة ذلك الفكر الإرهابوي المتنشط في المنطقة؛ وإلَّا لماذا لا ينشط “الجهاد الكذوب” في “الدول الكافرة” لهذه الميليشيات ذات “النهج النظرياتي المتأخون” أصولياً. أليست دول الغرب كافرة من وجهة نظرها؛ وتستحق الجهاد المتوهم لإجبارها على دخول حالة التأسلم؛ ولكن هذه الدول هي المعمل الذي ينتجها؟!
إن “العقل الاستعماري” بتجاوزه لما يوصف بالثوابت العقيدية لديه وفق قاعدة “ما لقيصر لقيصر وما لله لله” و”العبادة تكون في المعبد والكنيسة فقط وليست في الطريق” أنتج القوانين الناظمة لشؤون الحياة لديه وفق “فقه المصالح”؛ وهذا العقل الدارس والخبير والمتمكن يعرف قواعد “قانون القَلْقَة” الذي ابتكره؛ ويقوم بتوظيفه في “تفتيت المنطقة” وهي تعيش صورة العقيدة في الظاهر؛ فيما تكمن بها بخباثة سرطانية عناصر “العرقيات المحددة” بتعبير “الشعوب والقبائل” والذي كان مُناسباً لجغرافية عصر “نزول النص المقدس”.
ويقوم هذا العقل الغربي المتمكن من أدواته بالتلاعب في “الجينات العرقية الداخلية” لكل دولة لا تضع في اعتبارها مواجهة سيناريوهات التفتيت المتربصة بها، والاستعداد لمواجهة ما قد يتربص بها؛ ولعل “الحالة السورية” تمثل أنموذجاً بارزاً مع توصيف حالة سقوطها؛ إذ ظل نظامها متغافلاً عن “حالة الفيرسة العرقية”؛ ولم يقم بتعميق آليات التذويب الواجبة حتى وإن كانت مظلتها السياسوية هي “صورة الدولة القومية”.
ولعل تفجُّر “الوضع العرقي” في المجتمع السوري راهناً بصورة مخيفة يكشف آليات تلك الحالة السورية الجامعة في تركيبتها التشكيلة الفسيفسائية العميقة؛ إذ يتشكل من العرب والكرد والتركمان والأرمن والتبار والشوابية والاسماعيلية والروم؛ وما يتمظهر في صور السنة والشيعة بطوائف العلويين والإثنا عشرية والإسماعيلية والمسيحية الأرثوذكسية والكاثولوكية والبروتستنتية والمورانية والكلدانية واليزيدية الزرادشتية والدرزية والأزيدية… وإلخ.
وهذه الفسيفساء أبرزت وجهها الكامن المنفلت فور سقوط نظام الدولة السورية وانتعاش الرغائب العرقية المتنشطة داخلها بضرورات تشكيل دولها المُجَسِّدة لهذه العرقيات؛ وليس هناك من مانع أن تجمعها صورة “النظام الأميركي والمتغلب بالدولة الفيدرالية” وهي في الأساس دولة غير عرقية؛ فيما نمط الدولة الوطنية قاتل لأحلام التخصيص الذي يسعون إلى تعميمه.
إن “المسألة السورية” الراهنة تحتاج إلى دراسات استبارية عميقة؛ تهتم بدراسة الحالة وقراءة سيناريوهات إعادة التشكيل الجديدة المنتظرة؛ وربط ذلك بسيناريو استصناع “الشرق الأوسط الجديد” الحاف بالكيان الصهيوني المتسرطن في فلسطين المحتلة؛ والذي حقق تنفيذ رغائبه بالوضع الجديد المُنتج من الدول الرخوة في جهة المشرق آسيوياً؛ بدءاً من لبنان والعراق واليمن وسوريا؛ وأفريقياً بالصومال والسودان وليبيا من المغرب؛ فيما تبقى “الدولة المصرية” في القلب راسخة سمة تاريخية؛ تتميز بها بفضل انفرادها التكويني باللّاعرقية واللامذهبية العقدية.
إن ما وصلت إليه “الحالة السورية” الراهنة؛ تدعو للأسف العميق؛ والتي من دون أي شكوك ستدفع كل التكوينات العرقية والعقدية التي ستتشكل ستدفع الثمن الفادح حتى في طبيعة وجودها السياسوي إذا سُمِحَ صهيونياً بتشكيلها الجديد لغايات دخول المنطقة بنهج الميليشيات في حروب محدودة تتقاتل فيها باستخدام الآليات الصغيرة؛ ولن يُسمح لها بامتلاك الطائرات والصواريخ التي تهدد أمن ووجود الكيان الصهيوني/ المفترض أن يكون خصماً وجودياً.
لذلك فالمطلوب من نوعيات النخب العرقية والعقدية في كل الأرض الموسومة بالعربية من مشرقها إلى مغربها إدراك “الفخ المنتظر”؛ والذي لن يحقق أحلامها المتأملة بتشكيل دولها العرقوية في واقع معاصر؛ ما عاد يقبل بوجود مماثل لدولة وحيدة فقط جرى منذ “وعد بلفور” المشؤوم ويجري تنميطها لغايات “سياسواقتصادوية” معاصرة؛ فتلبست صورة العقيدة الخاصة بها؛ إذ الدولة في عصرنا هي وجود شامل جامع ذات سمات مدنية متكاملة.
لذلك فهل “سقوط الدولة السورية القومية” كان منطقياً؟ حيث اُعتمد سيناريو تفتيتها على العناصر الرابضة ببنيتها التاريخية، من خلال استخدام الفكر الميليشاوي العقدوي المتسيس في تطبيق مشروع التدمير الراهن؟
فهل نفهم بصواب طبيعة الحالة السورية الراهنة؟ وندعو ونتمنى أن يدرك الصواب أهل سوريا، لاجتناب ما ينتظرهم من نتائج اكتمال تنفيذ “سيناريو المشرق الصهيوني” في المربع الشرق أوسطي.
كل الأسئلة مشروعة لمن أراد أن يتفكر في الكارثة المقبلة بالمنطقة؛ وما ينتظرها من سيناريوهات التقاتل والحروب المحدودة والمدروسة بين كل الحارات المتسلحة؛ والتي سيُديرُها من مركز التفتيت بالمنطقة في فلسطين السليبة دهاقنة الكيان الصهيوني؛ بعد أن جرى تجهيز “ميليشيات الإسلام السياسوي” لذلك من خلال رعاته في واشنطن. وهو ما لا نتمنى حدوثه أبداً ونرفضه قلباً وقالبا.