تتوجه الدولُ إلى الإصلاحِ الاقتصادي؛ كي تُعَالجُ مما تعاني منه من أوجه القصور التي قد تتمثل في عجزها عن استيفاء متطلبات التنمية بمجالاتها المختلفة، وهذا يحتم عليها أن تتبنى سياساتٍ من شأنها أن تحمل رؤىً إصلاحيةً وفق خطة استراتيجية تتبناها، وتعمل عليها من خلال مؤسساتها، وما تصدره من تشريعاتٍ تحمي بها مراحل تقدمها نحو المسار التنموي.
ولم يكنْ الإصلاحُ الاقتصاديُّ توجهًا حديثًا؛ حيث إن له تاريخًا ليس بالبعيد؛ فتلك هي الدول الصناعية التي خرجت من براثن الحروب، وقامت بتصحيح مسارها الاقتصادي بصورة ممنهجة؛ لتحقق التنمية المنشودة في مجالات الاقتصاد المتنوعة؛ كي تستطيع أن تفي بديونها الخارجية، وتتمكن من عقد مزيدٍ من الصفقات التي توفر لها متطلبات التنمية الاقتصادية، التي تتبناها سواءً أكانت صناعيةٍ، أو زراعيةٍ، أو تتسم بالشمول في العديد من المجالات التنموية.
وتشكل مجموعةُ السياسات التي تعمل على أن تصبح النفقات الداخلية تتسق مع المتاح من موارد الفلسفة الرئيسة؛ للإصلاح الاقتصادي؛ ومن ثم تتبنى الدولةُ مجموعةً من السياسات المالية، والنقدية، والتجارية، وكذلك سعرُ الصرف بما يحقق ضمانة الطلب مع المعروض في صورته الكلية، وهذا يسهم في الخدمات المقدمة، ويعظم من الموارد، ويزيل تشوهاتِ الأسعار، بل ويصلُ بالمنتج إلى حد التنافسية.
وهنا يمكن القول بأنَّ الإصلاح الاقتصادي أحد دعائم تقوية الاقتصاد التي تحرره من كافة القيود الإدارية بما يؤدي إلى إحداث توازن ماليٍّ على المستويين: الداخلي، والخارجي؛ ومن ثم تزدادُ الجدارةُ الائتمانيةُ؛ حيث تستطيعُ الدولةُ أن تحصل على تمويلاتٍ لمشروعاتها القومية؛ استنادًا إلى تاريخها، وقدرتها على السداد، وندرك أن الجدارة الائتمانية لها دورٌ رئيسيٌّ في المنح، والقروض التي تعتمد عليها الجهاتُ المتاحةُ في سياستها المالية.
ولا شَكَّ أنه عبر بوابةِ الإصلاح الاقتصادي يقوىِّ ميزان المدفوعاتِ بما يساعد في الحد من التضخم، والوصول إلى مستويات الاستقرار؛ الأمر الذي يسهم في جذب الاستثمارات المباشرة الداخلية منها، والأجنبية على حد سواءٍ، وهذا ما يؤدي بالضرورة لخلق المزيدِ من فرصِ العملِ، التي تُزيدُ من معدلاتِ التشغيل، وبالطبع تحد من معدلاتِ البطالةِ، كما يساعد ذلك أيضًا في تعظيم الموارد الاقتصادية بالدولة.
وفي ضوء ما تقدم تستطيع الدولة أن تخرج من بوتقة الأزمات إلى ساحة الانفراج؛ حيث تحصل على تنمية مستدامةٍ من خلال مدخلات تنموية، وعبر سياساتٍ تتبعها، مما يجعلها تسهم في إحداث تنمية حقيقية تجعل اقتصادها صلبًا، لا يتأثر بالتحديات، والأزمات العالمية بصورةٍ كبيرةٍ تؤثر على المسار التنموي، وتستعيد الدولةُ الثقة من قبل الجهات، والمؤسسات الاقتصادية الدولة، وهذا أمرٌ يحتاج إلى إرادةٍ سياسيةٍ، ومجتمعيةٍ، ومؤسسيةٍ جامعة؛ ليتحقق الهدف المنشود.
وأودُّ الإشارةُ إلى أن سياسة الإصلاح الاقتصادي تقوم على فكرة إعادة البناء التدريجي لكل من البنية، وما عليها من قطاعاتٍ، وكياناتٍ بما يتواكب مع كافة التغيرات الدولية، وهذا لا ينفك عن اهتمامٍ بالمكون المجتمعي؛ كي لا تزداد الفجوةُ بين أطيافه، أو مكونه؛ فيؤدي إلى مزيدٍ من الفقر، والحرمان، وهنا تراعي الدولة من خلال حزم الرعاية الاجتماعية سَدَّ غور الفجوة؛ لتحافظ على تماسك المجتمع، وقدرته على البناء، واستكمال مسار النهضة المرتقبة.
وفي هذا الإطار يتوجب أن نصدْعَ بحقيقة الإصلاح الاقتصادي عبر برامج تتبناها الدول، وهي أنه غايةٌ نبيلةٌ تستهدف التغيير التدريجي الذي يزيل تراكماتِ الماضي، التي عطَّلتْ عجلةْ الإنتاج، واستوقفت مساراتِ التنمية لأسبابٍ غيرِ منطقيةٍ، وجعلتْ المجتمعاتِ تدور في فلكٍ مغلقٍ، لا تشعر بتحسن أحوالها المعيشية، بل ولا تَجِدُ ما يلبي طموحاتِ أجيالٍ تلو أخرى؛ ومن ثم تَعْملُ برامج الإصلاح الاقتصادي على تجاوز العثراتِ بسياساتٍ قد تبدو ملامحُهَا صعبةٌ؛ لكنْ تحدث توزانًا، وتؤدي إلى استفاقةٍ، وقدرةٍ على إعادة البناء الداعم؛ للاستثمار، والمدفوع بتنمية اقتصادية في شتى مجالاتها؛ لتنتقلِ الدولةُ، وتتحول من حيِّزِ العوز إلى إطار التنمية الشاملة المستدامة.
وبرنامجُ الإصلاحِ الاقتصاديِّ المِصْريِّ في مراحله المختلفة قد استهدف تجاوزَ الصعوبات، والعثراتِ، التي تعرَّضَ لها قبل ثورة 25 يناير؛ حيث استطاعتْ مصرُ أن تتجاوز تلك الصعوبات من خلال ما وجهتْ إليه القراراتُ الرئاسيةُ الرشيدةُ بشأن الحماية الاجتماعية، التي تحمي الفئاتِ الأكثرِ احتياجًا؛ ففي كل فترةٍ يصدر فخامةُ الرئيس العديدَ من القرارات التي تمثل حزمةً من الإجراءات الاستثنائية؛ للحماية الاجتماعية، بما يحقق ماهية الشمول، والمشاركة، والشراكة، والعدل، والمساواة، ويحقق الحياةَ الكريمةَ أيضًا.
إننا نستطيعُ نحن المصريين أن نتجاوز المحنَ، ونصل لمرادنا، وقد آثرتُ أنْ أتناولَ ماهية الإصلاح، وأهميته الاقتصادية؛ لنكسر سويًا حاجز الخوف، والفزع مما يُشَاعُ؛ فما أبشع الركود!، وما أجمل أن يعمل الجميع بكل تفانٍ!، وإتقانٍ، دعونا ننهضُ بوطن يستحق أن يتبوأ مكانته اللائقة به بين مصافِّ الدولِ، ولا نتوقف عن مسار تنمية شمولية نصفها بالمستدامة؛ ليحيا جيلٌ تلو آخر؛ محافظًا على مقدراتِ هذا البلدِ الأمينِ.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر