ألقته الأمواج على شاطئ جزيرة ،أفاق تأمل الناس من حوله ، لم يأبهون لأمره ، لم يعيروه أدنى اهتمام أو حتى التفاتة ،جميعهم يمشون مشية واحدة ،مشية المصفد في الأغلال حين ذهابهم لأعمالهم،والجلادون ينظمون سيرهم ، يتم استقطاع حصة من رواتبهم اليومية صاغرين للمحتسب ،ليقوموا بدورهم بدفع حصة مقررة للمعبد ، حيث يبثهم الكهنة رسالة مفادها أن عليهم الرضا بالحال لترتقي وتصفو نفوسهم ،ولايساعدهم على هذا إلا الانقياد والطاعة البلهاء ، تبقى لهم القليل مايكفي لأكلهم وشربهم الموحد في البلدة ، مدارسهم خاوية خالية، يتكلمون بلغة ذات وتيرة واحدة ،جافة تخلو من أي مشاعر تودد ،فرح ،غضب،دهشة ،استعطاف ، ملامحهم كالحة باهتة ، عيون تنساب منها دموع متحجرة ،نفس القسمات بلا ضحكات لا ابتسامات ، تتردد في أفق مدينتهم وعلى مسامعهم نغمات ناي حزين ،نساؤهم بلاستيكيات، يكثرن من مساحيق التجميل ، يرتدين أشيك الثياب لكأنهن مانيكانات حين يتوجهن لمواخير قضاء الشهوات ، قل أن تجد أطفالا أو صبية في شوارع الجزيرة ،لامكتبات ، لاحدائق ، لامتنزهات ، لاباعة زهور أو هدايا ، امتنعوا عن الزواج كي لايورثوا أطفالهم العبودية والقهر ، سمع نفيرا عرف من تنصتهم إليه وتنصته عليهم أن الأعداء على الأبواب ، بكل تلقائية حملوا السلاح ، ليطلقوا النار لا على الأعداء ، لكن احتفالا بالسيد المحتل الجديد .
