●● الإعجاز في قوله تعالى: { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (الأعراف: ١٧٦)
● يُعد هذا التشبيه القرآني من أعظم صور الإعجاز البلاغي والعلمي، حيث يجمع بين الدقة اللغوية والمعرفة البيولوجية التي لم تُكتشف إلا حديثًا، فالآية تصف حالة الإنسان الذي يُعرض عن الهداية ويستمر في اتباع شهواته، مستخدمةً صورة الكلب اللاهث، لكن العجيب أنَّ هذا التشبيه لم يكن مجرد صورة أدبية، بل يعكس حقيقة علمية مذهلة لم تُعرف إلا بعد تطور الدراسات البيولوجية للحيوانات.
● أولا: لماذا يلهث الكلب دائمًا؟؛ الحقائق العلمية
أ. نقص الغدد العرقية عند الكلاب
تمتلك معظم الكائنات الحية، بما في ذلك البشر، غددًا عرقية تعمل على تنظيم درجة حرارة الجسم من خلال إفراز العرق، لكن الكلاب لا تمتلك إلا عددًا قليلًا جدًا من الغدد العرقية، والتي تتركز في باطن أقدامها فقط.
هذا يعني أنَّ التعرق ليس وسيلتها الرئيسية لتبريد الجسم، بل تعتمد على آلية أخرى، وهي اللهاث المستمر.
ب. كيف يُساعد اللهاث في تبريد جسم الكلب؟
عندما يلهث الكلب، يقوم بتبخير الماء الموجود على سطح لسانه وتجويف فمه، مما يُساعد في خفض درجة حرارة جسمه بطريقة تشبه تأثير العرَق عند البشر.
الهواء الداخل أثناء اللهاث يمر عبر الفم والرئتين، ما يؤدي إلى تبريد الدم المتدفق عبر الأوعية الدموية القريبة من السطح.
هذه العملية تُبقي الكلب في حالة تنظيم حراري مستمرة، سواء كان في حالة نشاط أو راحة.
ج. اللهاث ليس مجرد رد فعل، بل سلوك دائم!
معظم الحيوانات تلهث فقط عند التعب أو بعد مجهود كبير، لكن الكلاب تلهث طوال الوقت، حتى عندما تكون في حالة سكون.
سواء كان الكلب يُطارد فريسة، أو جالسًا في الظل، أو حتى أثناء النوم، فإن اللهاث لا يتوقف أبدًا.
هذه الظاهرة الفسيولوجية لم تُكتشف إلا في أواخر القرن العشرين، ومع ذلك، نجد أنَّ القرآن الكريم أشار إليها قبل أكثر من ١٤٠٠ عام!
● ثانيا. الإعجاز العلمي في قوله: { إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ }
الآية الكريمة تُخبرنا أن الكلب يلهث سواء كان مُطاردًا “إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ” أو كان في حالة استراحة “أَوْ تَتْرُكْهُ”.
هذا الوصف ليس مجرد تشبيه بلاغي، بل هو حقيقة بيولوجية مثبتة تُظهر أن اللهاث سلوك مُستمر عند الكلاب.
لو كان اللهاث يحدث فقط عند الجهد، لكان التعبير مختلفًا، لكن القرآن أشار إلى الاستمرارية، وهو ما اكتشفه العلم الحديث.
كيف يمكن لنص نزل قبل ١٤٠٠ سنة أن يُشير بهذه الدقة إلى حقيقة علمية لم تُعرف إلا بعد قرون؟
● ثالثا. الإعجاز البلاغي في تشبيه الإنسان المُعرض عن الهداية بالكلب اللاهث
اختيار الكلب في هذا التشبيه لم يكن عبثيًا، بل يحمل دلالات نفسية وسلوكية مُذهلة:
- الاضطراب الدائم: كما أنَّ الكلب لا يتوقف عن اللهاث أبدًا، فإن الإنسان الذي يبتعد عن الله يعيش في قلق دائم واضطراب نفسي، فلا يجد راحة ولا سكينة.
- الخضوع للشهوات: الكلب يلهث سواء كان في حالة حركة أو راحة، كذلك الإنسان الذي انساق وراء شهواته لا يستطيع التحرر منها، سواء وجد الموعظة أم لم يجدها.
- عدم التغير رغم الظروف: اللهاث عند الكلب لا يتغير، وكذلك الشخص الذي رفض الهداية يبقى على حاله، لا تؤثر فيه النصيحة، ولا تغيره المحن.
● رابعا. عظمة الإعجاز في هذه الآية
أ. التطابق بين العلم والدين
- لم يكن أحد يعلم في زمن النبي ﷺ أن الكلب يلهث دائمًا بسبب نقص الغدد العرقية لديه.
- هذه الحقيقة لم تُكتشف إلا بعد تطور علوم الفسيولوجيا الحيوية، لكن القرآن أشار إليها بوضوح منذ أكثر من ١٤٠٠ عام!
- كيف يمكن لإنسان قبل ١٤٠٠ سنة أن يصف ظاهرة بيولوجية لم تُكتشف إلا حديثًا؟ الجواب ببساطة: هذا ليس كلام بشر، بل وحيٌ من الله.
ب. البلاغة المتكاملة في التشبيه
اختيار الكلب لهذا التشبيه لم يكن عشوائيًا، بل كان لسببين رئيسيين:
من الناحية العلمية: لأنَّ الكلب هو الحيوان الوحيد الذي يلهث دائمًا.
من الناحية النفسية: لأنَّ الإنسان المُعرض عن الحق يكون في حالة اضطراب دائم، تمامًا مثل الكلب اللاهث.
ج. دعوة للتفكر
ختمت الآية الكريمة بقول الله تعالى:
{ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }
وهذا يُشير إلى أنَّ هذه الآية ليست مجرد حكاية، بل دعوة للتأمل والتدبر.
لماذا يعيش بعض الناس في اضطراب دائم رغم توافر سُبل الهداية لهم؟
مثلهم كمثل الكلب، الذي يظل يلهث بلا سبب، ولا يستطيع تغيير حاله.
● الخاتمة: كيف تثبت هذه الآية إعجاز القرآن؟
تصف الآية سلوكًا بيولوجيًا دقيقًا عند الكلاب، وهو اللهاث المستمر، وهي حقيقة علمية لم تُعرف إلا حديثًا.
التشبيه لم يكن مجرد تعبير بلاغي، بل كان وصفًا علميًا دقيقًا لسلوك الكلاب وطبيعة الإنسان المُعرض عن الحق.
هذا التناسق العجيب بين النص القرآني والاكتشافات العلمية يُثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن القرآن ليس كلام بشر، بل هو وحي من عند الله. وصدق الله تعالى إذ يقول: { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ } (النجم: ٣- ٤).
أسأل الله أن يجعله علما نافعا في مرضاته؛ وجزى الله تعالى عنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما هو أهله ..