يستمر الدكتور ياسر شحاتة في الحزء الثاني من كتابه (إعادة قراءة التاريخ ) في إبراز حقائق في تاريخنا تعمد المؤرخون الغربيون تجاهلها في إطار خطة ممنهجة لطمسها حتى يقللوا من مساهماتنا الكبرى في بناء الحضارة الإنسانية.
ففي صفحتي 38 و 39 يثبت د. ياسر بالوثائق أن القائد العظيم الاسكندر الأكبر، الذي قاد جيوشه من هضاب مقدونيا وهو في الحادية والعشرين من عمره إلى اليونان وأخضعها، ومنها إلى سورية (فينيقيا) ومصر ثم إلى بلاد فارس (إيران) وحتى حدود الصين في بضغ سنين ، يثبت أنه حصل على الجنسية المصرية (التي يسعى كثيرون حاليا للتبرأ منها) ،ودفن في مصر بناء على وصيته ، فكتب يقول : ” وصل الاسكندر مصر (عام 323 ق . م. )عبر سيناء ودخل منف ، ورحب به المصريون لأنه هزم الفرس ، ثم توجه الى مدينة راكودة ( الاسكندرية حاليا ) وقرر بناء مدينة كبرى مكانها تسمى باسمه . ثم توجه بعد ذلك الى معبد آمون وتم تتويجه ابن للاله آمون (اله التوحيد لدى المصريين القدماء) ، وكتب وصيته باسم ( الاسكندر بن آمون ) ، طلب فيها أن يدفن في أرض مصر على الطريقة المصرية كابن لآمون ، وقد حقق الكهنة المصريون للاسكندر رغبته وتم تحنيطه كابن لآمون وهو ما يساوي في العصر الحديث الحصول على الجنسية المصرية ، ودفن في مدينة الاسكندرية “.
وفند الكاتب مزاعم كثيرة أخرى روجها المستشرقون في مقدمتها عدم قبول العرب والمسلمين للتعددية الفكرية .وأوضح في الصفحة 223 ان المجتمعات العربية عرفت مبدأ التعددية وإحتواء المجتمع لأراء مختلفة قبل الغرب بـ 1200 عام تحت (مبدأ السعة) الذي كرسته القاعدة الفقهية للامام مالك :” أن إختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على الأمة “.
ورفض الكاتب مزاعم الغرب بربط الجمود الفكري بالعرب والمسلمين ، وأكد اننا لم نتوقف فقط عند النص ولم نكتف بالنقل ، مستشهدا بمواقف وأفكار المفكر الفيلسوف ابو حامد الغزالي (1058-1111) صاحب مقولة ” من لم يشك لم ينظر ، ومن لم ينظر لم يبصر ، ومن لم يبصر بقى في العمى والضلال ” والتي قالها قبل وجود الفيلسوف الفرنسي ديكارت باكثر من 500 عام . وكتب د. ياسر في الصفحة 239 :” من الإنصاف ان نعتبر ابو حام الغزالي وبدن مبالغة المؤسس الحقيقي للمذهب العقلي الكامل في تاريخ الفكر البشري “.
ورد بشكل علمي وعملي على مزاعمهم بشأن إضطهاد العرب والمسلمين للمرأة وقال في الصفحة 157 من الكتاب :” من إنجازات عمر بن الخطاب تعيينه الشفاء بنت عبد الله بن عدي المخزومية على نظام الحسبة في السوق ، وكانت تفصل في المنازعات التجارية والمالية ، وهو ما يساوي موقع قاضي في محكمة تجارية أو زير مالية في العصر الحديث “. وكان عمر اول حاكم في التاريخ يمنع تكليف الرجل المتزوج بمهام تبعده عن زوجته لأكثر من 3 أشهر حتى لو للجهاد في سبيل الله . بينما كان الزوج في أوروبا يغيب عن بيته بلا حدود ويجبر إمرأته على إرتداء ( حزام العفة ) الحديدي ويحتفظ الزوج بالمفتاح ليضمن عفته زوجته طوال فترة غيابه التي قد تمتد لسنوات، وأي اذلال للمرأة أن تنام وتستيقظ وتعمل وهي ترتدي تلك الكتلة الحديدة الثقيلة .
البعض قد يتساءل : ما جدوى العودة إلى التاريخ ونحن نعيش حاضر متردي في كل شئ ؟. والإجابة أن التاريخ يعلمنا أسباب السقوط كي نتداركها ، وهنا أتفق مع وجهة نظر المؤرخ المصري الدكتور عبد الحليم عويس والتي طرحها في مقدمة كتابة القيم (ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻟﺴﻘﻮﻁ 30 ﺩﻭﻟﺔ ﺇﺳﻼﻣﻴﺔ) بقوله :”من اللافت للنظر أن “مراحل الهبوط – في التجربة التاريخية لهذه الأمة – قد ارتبطت بأوضاع داخلية ، فهذه الأمة لم تضرب من خارجها بقدر ما ضربت من داخلها ، بل إن الأعداء الخارجين لم ينفذوا إليها إلا من خلال السوس الذي ينخر فيها من الداخل “.
كما يحمل لنا التاريخ البشرى بالنهضة مجددا كما يقول الدكتور عويس :” لسوف تبقى هذه الأمة ، ولسوف تؤدي دورها ، لسوف تقوم من عثرتها .. هكذا يقول لنا معلمنا العظيم .. تاريخنا ، أطال الله عمره، ولقد كبونا كثيرا .. ثم قمنا .. ولقد حاربنا العالم كله ذات يوم .. ونجونا .. وإنتصرنا . . فقط ثمة شرط واحد أن نعرف من أين نبدأ، وإلى أية غاية نريد .. ودائما يعلمنا تاريخنا أن آخر أمتنا لن يصلح إلا بما صلح به أولها”.
Aboalaa_n@yahoo.com