لقيادة الأمم وزعامتها جناحان كالطير لا يستطيع الطيران إلاَّ بهما معاً.. وجناحا القيادة والزعامة للشعوب والأمم هما: الأول: امتلاك الرؤية التي تشكلها ثقافة القائد بتاريخ بلاده ووعيه به وبجغرافيتها السياسية وأن قوتها خارج حدودها وليست كامنة داخل تلك الحدود وهذا يكون بمعرفة واستفادة من ثرواتها الطبيعية والبشرية وحبه لهؤلاء البشر من بني وطنه فيبادلونه حباً بحب فتتحقق آمال التقدم والقوة.
أما الجناح الثاني: فهو امتلاك القائد وعزيمة الإرادة الصلبة لبناء الوطن اقتصادياً وعلمياً وثقافياً حتي يكون هذا الوطن قوياً نموذجاً لأوطان أخري.
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة
فإنَّ فساد الرأي أن تترددا.
ولأن عبدالناصر امتلك جناحي الزعامة والقيادة نجده قد كان علي يقين واقتناع وقناعة بأن رسالة الإسلام السامية بقيم الحق والخير وبعدله الاجتماعي الذي يحتاجه الناس في كل وقت وحين وبهذا العدل الاجتماعي يُبني الإنسان عزيز النفس مصون الكرامة منتمياً ونافعاً لوطنه وازدهاره.
ولأن الإسلام هو الدين الخاتم للبشرية حتي قيام الساعة فكان منهجه قائماً علي تطبيق العدل الاجتماعي وبناء ركائزه ودعائمه لأن الإسلام ليس ديناً لطبقة دون طبقة إنما للناس جميعاً بذلك العدل.
أراد عبدالناصر وحاول وعمل بجهد كامل ــ رغم المؤامرات الداخلية والخارجية ــ أن يقيم ما احتاجه المصريون من عدل اجتماعي بمنهج الإسلام.
ولأن الله سبحانه قد حبا مصر بموارد وخيرات طبيعية وفيرة تقوم عليها الحضارات. فإن الله تعالي أراد أن تقوم رسالاته بقوة علي أرضها فاليهودية نشأت علي أرضها. واشتد عود المسيحية علي أرضها وقوي المسلمون بمصر عندما دخلها الإسلام برسالته العظيمة فقوي بها وصارت هي التي تصدر الإسلام إلي العالم بل إلي الأرض التي جاء منها كما قال فضيلة الشيخ الشعراوي!!
هذا ما فهمه ووعاه عبدالناصر عن رسالة مصر نحو الإسلام ولأنه كان مدركاً أن مصر غنية بثرواتها الطبيعية عندما نريد حتي تتحقق عدالة الله في أرضه ولتقوم بدورها القائد والرائد للمسلمين تاريخياً.
نجد عبدالناصر قد حاول وعمل علي ما يسميه علماء الاقتصاد “بإدارة الثروة” التي تقوم علي إنزال هذه الثروة من أعلي إلي أسفل بعدالة طبقاً للعمل والجهد والعلم مع حُسن استغلال البشر في التنمية والتقدم والازدهار الاقتصادي الناتج عن الاستثمار البشري. فكل إنسان له عقل يضيف بقدراته إلي وطنه. يقويه. ولا يضعفه. يبتكر. ويبدع شريطة أن يستفيد من خيرات بلاده في بناء صحته وتعليمه تعليماً راقياً ويحصل علي مكانته المستحقة له طبقاً لكفاءته وكفايته وبهذا تتحقق عناصر القوة التي تحقق التنمية الشاملة كما يقول علماء الاستراتيجية ــ والسياسة والتاريخ والاقتصاد.
من أجل هذا نجد عبدالناصر كما ذكر في “الميثاق الوطني” الصادر في مايو 1962 قائلاً: “إيماناً منا بالله تعالي وبما أنزل من شريعة الحق والخير والسلام وتقديساً لحق الإنسان في العزة والكرامة.
وفي الكفاية والعدل واستمساكاً بحق أمتنا في الحياة والتحرر والانطلاق نعلن ميثاقنا ونعاهد الله تعالي علي أن نستمسك بكل ما فيه معاني الحق والخير والعدل في الحياة وأن نبذل بكل ما أودعنا الله من طاقة لنضع هذه المعاني جميعاً موضع التنفيذ”.
ويقول: “يجب علينا في مجتمعنا الجديد أن نعي بكشف حقيقة الدين وتجلية جوهر رسالته لكي تكون قيمه الروحية الخالدة أساساً لقيم المجتمع الجديد لكي تكون الشريعة الغراء مصدراً أساسياً للتقنين”
ويقول: “علينا أن نهيئ كل الظروف الملائمة لنمو الثقافة الدينية وتطورها حتي يتبلور في المجتمع فكر ديني واعِ حر طليق يحقق الرسالة السامية للدين”.