بعد أن اعترفت وزارة الصحة أخيرا بالعجز الشديد في الأطباء الذي تعاني منه مؤسساتنا الصحية ، تطالعنا وسائل الإعلام حاليا ،بأخبار إنشاء 3 كليات طب خاصة، ونرى التسرع في بدء الدراسة في هذه الكليات ، حتى قبل أن تستوفي الشروط القانونية الأساسية من إنشاء و تشغيل مستشفى جامعي تابع لكل كلية .
هنا يهمني أن أوضح عددا من الحقائق ..
1- إجمالي عدد الأطباء الأحياء في سن العمل ، و الملتحقين بالعمل في القطاع الحكومي 188535 طبيب ، بمعدل 1.88 طبيب لكل ألف مواطن.
2- إجمالي عدد الأطباء الأحرار 24300 طبيب
و بذلك يصبح عدد الأطباء بالقطاعين الحكومي و الخاص 212835 طبيب ، بمعدل 2.1 طبيب لكل مواطن .
3- عدد الأطباء بالمعاشات 54012 طبيب ، و إذا قدرنا أن منهم على الأقل 20.000 طبيب مازالوا يمارسون العمل في القطاع الخاص بعد إنتهاء الالتزام بالعمل الحكومي ، يصبح الأطباء المؤهلون القادرون على العمل في مصر232835 طبيب ، بمعدل 2.3 طبيب لكل ألف مواطن .
(الأرقام من سجلات نقابة الأطباء – فبراير 2019)
و بما أن منظمة الصحة العالمية ترصد أن 45% من الدول نسبة الأطباء بها أقل من طبيب لكل ألف مواطن ، و تتجه أغلب الأبحاث لقبول نسبة 2 طبيب لكل ألف مواطن كنسبة مقبولة ، لذلك يتضح أن عدد الأطباء المتخرجين من كليات الطب الحالية يوفر 2.3 طبيب لكل ألف مواطن و هي نسبة كافية جدا ، و لا يوجد أي احتياج لزيادة عدد كليات الطب و لا لزيادة عدد الخريجين .
لكننا بالرغم من هذه الأرقام المؤكدة من سجلات نقابة الأطباء ، نلاحظ بالفعل و على أرض الواقع ، عجزا شديدا في الأطباء ، في أغلب المستشفيات و الوحدات الصحية ، و هو عجز ناتج عن “هروب الأطباء” من ظروف العمل في مصر ، التي أصبحت شديدة القسوة و الاهانة للأطباء ، لذلك نجد موجات متزايدة من هجرة الأطباء ، سواء للعمل المؤقت في الدول العربية و الأفريقية ، أو للهجرة الدائمة لبلدان العالم الأول ..
الحقيقة أننا لا نملك احصاءا دقيقا لعدد الأطباء على رأس العمل بالقطاع الحكومي، لكن الملاحظات العامة تشير لأن أكثر من نصف الأطباء نزحوا فعلا للخارج ، و هذا هو سبب العجز الرهيب الذي نراه .
و الحال هكذا ..
هل يحل هذا العجز انشاء المزيد من كليات الطب الخاصة أو الحكومية ؟؟ بينما تستمر و تزداد عوامل الطرد ، لننزف أغلب أطبائنا للخارج ..
يزيد الأوضاع سوءا أن هذه الكليات المزمع إنشاؤها ،لا تملك إمكانيات التدريب العملي و الإكلينيكي الضرورية ، و على رأسها المستشفى الجامعي الذي يعتبر العمود الفقري لكلية الطب ، وبذلك يتضح أننا نتجه لتخريج أعدادا غفيرة من الخريجين بدون تدريب ، لندخل بالمنظومة الصحية في منحدر غير مسبوق من فوضى الممارسة الطبية …
و قد سبقتنا كليات الصيدلة الخاصة في هذا المسار ،الذي أدى لوجود عشرات الآلاف من الصيادلة ، بدأت وزارة الصحة ترفض تكليفهم فعليا، و لا تتيح لهم أعدادهم الغفيرة أن يجدوا فرص عمل كافية بالقطاع الخاص داخل بلادنا أو حتى فرص كريمة للعمل بالخارج .
الحقيقة أننا نحتاج لحلول لمشاكل العمل الطاردة للأطباء ، و هي حلول معروفة (منها مثلا تطبيق القوانين المجمدة التي تعطينا بعض المميزات البسيطة و الاهتمام بوقف الاعتداءات اليومية على الأطباء) نحتاج لبعض الاهتمام بتحسين بيئة العمل و تحسين أجور الأطباء ، و لا نحتاج لكليات جديدة ، تعمل بدون المقومات الأساسية اللازمة لتخريج طبيب ، وعلى رأسها المستشفى الجامعي.
أننا نحذر من كارثة الاندفاع لتخريج أعدادا كبيرة من الأطباء ضعيفي المستوى ، مما سينتج عنه انهيار كامل لمهنة الطب ، و للخدمة الطبية في مصر ، و لسمعة الطبيب المصري ، و تعرض الأطباء لانهيار فرصهم للعمل سواء في الداخل أو الخارج ، و هي كارثة لن يستفيد منها إلا أصحاب الجامعات الخاصة و بزنس التعليم الطبي .
فهل نسمح بأنهيار الطب في مصر لصالح اكتناز أصحاب البزنس للملايين و المليارات ؟؟؟