قسم المفكر الراحل عباس العقاد في كتابه ( التفكير فريضة إسلامية ) وظائف العقل البشري إلى أربع وهي العقل الوازع الذي يحول بين صاحبه وما يشتهيه على أساس أخلاقي، والعقل المدرك الذي يدرك كل ما حوله ويناط به الفهم والتصور ،والعقل المفكر الذي يناط به التأمل الصادق، والحكم الصحيح.
وأوضح العقاد أن العقل يرتبط في مفهومه العام بوظيفة الوازع الأخلاقي أي المنع عن المحظور والمنكر ويقول : ” ومن هنا كان اشتقاقه من مادة (عقل ) التي يؤخذ منها العقال ، وتكاد شهرة العقل بهذه التسمية تتوارد في كل اللغات الانسانية الكبرى ، فان كلمة (مايند) في اللغة اللاتينية تشير إلى الاحتراس وينادى بها على الغافل الذي يحتاج الى تنبيه”.
ويتعدى العقاد وظائف العقل الثلاث السابقة إلى وظيفة رابعة يرى أنها أعلى وهي الرشد الذي يعني إكتمال التكوين في العاقل الرشيد فيقول :” وظيفة الرشد فوق وظيفة العقل الوازع والعقل المدرك والعقل المفكر، لانها استيفاء لجميع هذه الوظائف وعليها مزيد من النضج والتمام والتمييز بميزة الرشاد حيث لا نقص ولا اختلال “.
وقد وردت كلمة الرشد ومشتقاتها 19 مرة في آيات القرآن الكريم،
ولا يختلف عاقل على أن الرشد ضرورة في حياة الأفراد والمجتمعات ، وتزداد ضرورة توافره عند من يتولون المسئولية سواء كانت صغيرة أو كبيرة. ومن هنا جاء مصطلح ( الحكم الرشيد) الذي يرى البعض أنه مصلح حديث وظهر قبل 270 عاما في الأدبيات الاقتصادية والإدارية وبالتحديد عام 1748م. ولكن شاع استخدامه في الفكر السياسي الغربي منذ بداية الثمانينيات في القرن
الماضي بمعنى نزع القداسة عن السلطة ونقلها للمجتمع والافراد . ويقول الباحث مراد الشيشاني :”أنه يعكس أساسيات الاصلاح والكفاية الادارية في قيادة المجتمع بسيادة القانون ويسعى المجتمع من خلاله الى مزيد من المشاركة وتفعيل نفسه مدنيا”.
بينما الحقيقة الراسخة تؤكد أن مصطلح الحكم الرشيد ينتمي إلى تراثنا الفكري واللغوي العربي الاسلامي. وورد في آيات القرآن الكريم قبل أكثر من 1440 عاما . ويرى الدكتور عمر عبيد حسنه ان الرشيد من أسماء الله الحسني ، وأن الحكم في صدر الإسلام سمي ” الخلافة الراشدة”.ويضيف حسنه في دراسة بعنوان (التأصيل النظري لمفهوم الحكم الراشد )، أن الحكم الراشد يقوم على عناصر لا يمكن لنظام سياسي أن يتمتع بالشرعية بدونها، في مقدمتها حكم القانون، والشفافية، والمساءلة، والتكافؤ في توزيع أعباء وفوائد السياسات العامة بين المواطنين، وتقبل الحكومة للاستجابة لرغبات المواطنين المشروعة ، وكلها ضمن قيم ومبادئ الإسلام.
ويرى الدكتور عبد المجيد الغيلي في دراسة بعنوان ( مبادئ الحكم الرشيد ) أن الرشاد مصطلح عربي وهو نقيض الضلال، والفساد، والشر، والضرر ،وكلها مستخدمة في القرآن الكريم. وكلها معاني وأوصاف تناسب الحكم الذي يريده الناس. ويوضح أن الحكم الرشيد له أربع ركائز : الركيزة الهدائية، تتعلق بالقائمين عليه، فهو حكم يقوم على الهداية والعلم والمعرفة ، الركيزة الصلاحية نسبة إلى الصلاح وتتعلق بطبيعته، الركيزة الخيرية تتعلق بهدفه ، الركيزة النفعية وتتعلق بثمرته.
عرفنا الحكم الرشيد قبل الغرب بحوالي 1200 عام ولكنه مستقر عندهم فمتي يعود إلى حياتنا بعد طول غياب؟.