إن النظم الاقتصادية في الدول النامية ومنها الدول العربية يجب النظر إليها من خلال تحليلها داخلياً في إطار النظام الاجتماعي للدولة، وأيضاً من خلال التطورات العالمية والتأثيرات الإقليمية، والنظام الاجتماعي يمكن النظر إليه على أنه يشمل العلاقات المتبادلة والمتداخلة بين ما يسمى بالعناصر الاقتصادية وغير الاقتصادية
وهي تحوي الاتجاهات الخاصة بالحياة والعمل والسلطة والبيروقراطية العامة والخاصة والهياكل الإدارية والقانونية والأنماط الأسرية والعقائدية والتقاليد الثقافيــة ونظم ملكية الأراضي ودرجة شعور الناس وأهميتهم بتحقيق الأنشطة والقرارات المرتبطة بالتنمية.
وعلى حد تعبير المفكر الآندنوسي (سويرجايتوكو) الرئيس السابق لجامعة الأمم المتحدة في طوكيو: (إن نظرة للخلف عبر عدة سنين، فإنه يتضح لنا الآن بوضوح أنه في ظل انشغالنا بالنمو ومراحله ومع توافر المهارات ورؤوس الأموال فإن منظري التنمية قد أبدوا اهتماماً غير كافٍ بالمشاكل الهيكلية والمؤسسية ولتقويــة القوى الدينية والثقافية والتاريخية في عملية التنميــــة
إن مفكري العالم الثالث لعبوا دوراً مهما في التنبيه لما حولهم من مشكلات اقتصادية واجتماعية وأبرزوا في نصائحهم انعكاسات الآثار السلبية للتخلف وما يعنيه من الفشل من الاستفادة الكاملة من موارد بلدانهم بسبب مقاومة المؤسسات الاجتماعية، وبينوا في كثير من كتاباتهم المقارنة الحقيقية بينهم وبين الدول المتقدمة، كما بينوا طرق الخلاص من التخلف أو تخفيف آثاره الاقتصادية والاجتماعية، وفي الوقت نفسه بينوا ضرورة الاهتمام بالتنمية الاجتماعية قبل اهتمامهم بالتنمية الاقتصادية والسياسية.
ومن ثم فإن اقتصاديات التنمية هي أعم وأشمل بكثير من اقتصاديات النيوكلاسيكية التقليدية أو حتى من الاقتصاد السياسي لأنها يجب أن تركز وتغطي كل المتطلبات الاقتصادية والسياسية والثقافية اللازمة لتحقيق التحولات المؤسسية والهيكلية السريعة للمجتمعات التي تعاني من المشاكل التنموية، وهذا يتطلب دوراً حكومياً كبيراً مع توافر درجة عالية من التنسيق في عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية.
وفي ضوء التغييرات التي شهدها العالم في مختلف المجالات وخصوصاً العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية والثقافية والبيئية علاوة على الاقتصادية والسياسية جعلت العالم يتأثر سريعاً بين أجزائه وأقاليمه ودوله وشعوبه بكل ما يجري وفي أي مكان ولهذه التغييرات والتحولات انعكاسات إيجابية وسلبية على مستقبل التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الدول النامية ومنها الدول العربية الأمر الذي يستدعي تعزيز فرص الاستفادة من الإيجابيات التي أفرزتها هذه المتغيرات والتقليل من المخاطر إلى حد كبير.
لذا فإن النظرة المستقبلية للتنمية تستدعي فهم هذه التحولات والتغييرات التي تعيد رسم مشهد التنمية في أرجاء العالم كافة وليس في البلدان النامية فحسب.
_ إنه ثابت. _ إنه يتحدد عند مقدار يكون أعلى من ذلك المستوى للأجور الثابت في المتوسط والقائم إلى حد الكفاف في القطاع الزراعي التقليدي، حيث يفترض لويس أن الأجور في القطاع الحضري يجب أن تكون أعلى في الأقل بنحو 30% من متوسط الدخل الريفي حتى تحدث هجرة العمال من موطنهم في الريف إلى الحضر.
هنا يمكن أخذ بعض الملاحظات على هذه النظرية منها:
لقد افترضت النظرية أن الإنتاجية الحدية لعنصر العمل تساوي صفراً، وأن جميع الزراعيين يشاركون بالتساوي في الناتج، وأنه افترض زيادة رأس المال في القطاع الصناعي والخدمي نتيجة إعادة المستثمرين استثمار أرباحهم، وهذا يخدم إلى حد ما عملية التنمية الحضرية التي نعتقد أنها تتطلب أن يكون النمو متوازناً بين مختلف القطاعات لاعتماد القطاع الصناعي المتوسع إلى الناتج الزراعي خاصة في الدول النامية التي يتوسع بها القطاع الزراعي، فإنه بإمكاننا أن ننمي القطاع الزراعي من القطاع التقليدي إلى القطاع الزراعي الحديث الذي يعتمد على التكنولوجيا المتطورة لزيادة الإنتاج واستثمار العمالة في الصناعات التي تعتمد على الإنتاج الزراعي
وسحب العمالة الفائضة إلى قطاع الصناعة المتحضر بالحد الذي يسد الحاجة الأولية للإنتاج الصناعي وخلق عمالة متعلمة ومتدربة من المناطق الحضرية لتحقيق التوازن الاجتماعي والاقتصادي في آن وأحد،
والمحافظة على نمو مستمر في الهياكل القطاعية بصورة متوازية والابتعاد عن الإفرازات الأخرى التي قد تسببها سحب العمالة من الريف إلى الحضر، هذا علاوة على أن القطاع الزراعي لا يعتمد على النمطية في الحاجة إلى العمالة وإنما غالباً ما يكون الطلب موسمياً، وقد نستطيع أن نقرب بالوسائل العلمية مواسم الطلب لتكون البطالة في هذا القطاع قليلة
ولا تشكل عائقا في النمو، وإنما تكون سبباً في عملية التنمية المنتظمة والمستدامة، علاوة على إمكانية أن نفترض أن كثيراً من رأس المال المتراكم نتيجة الأرباح قد يستثمر في البنوك فيما إذا كانت أسعار الفائدة مجزية أو تغطي نسبة عالية من أرباح المستثمرين لأنها تحقق فرصة مثالية آمنة للمستثمرين سواء أكانوا داخل البلد أم خارجه، وكذلك بالنسبة للأجور في المناطق الحضرية
فهي غالباً ما تكون أعلى مما يتقاضاه العمال في المناطق الريفية فيما عدا من يشاركون الزراعيين أرباحهم فإنهم غالباً ما لا يستثمرون تلك الأرباح في التنمية الزراعية بل يذهب جزء كبير منها للادخار والجزء الآخر للاستهلاك والجزء الأخير للاستثمارات الخدمية والتجارية، وذلك بسبب ضعف الثقافة التنموية والأمية وخاصة في دول العالم الثالث.
إن للدول العربية والنامية عموماً الحق في بناء اقتصادها وتنمية مواردها واستغلالها والتعاون مع الآخرين والعيش بعيداً عن الاستغلال والهيمنة، إلا أنها في سبيل تحقيق ذلك تدخلت بصورة كبيرة في الاقتصاد الوطني لبلدانها مما أدى إلى تضخم القطاع العام ونبين فيما يأتي أهـم تلك الأسباب:
1-النجاحات التي حققتها الثورة الروسية في العام 1917 في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والدفاعية مما أدى إلى بعض الدول الاخذ بهذه التجربة.
2-الكساد الكبير الذي حدث في العام 1929 وأصاب الاقتصاد العالمي الرأسمالي وظهور الفكر الكينزي الذي دعا إلى تدخل الدولة لإنقاذ الاقتصاد.
3-تأكيد الدول الرأسمالية نفسها أهمية تدخل الدولة إلى جانب القطاع الخاص لإحداث التنمية وتشجيع المؤسسات المالية الدولية.
4-تأمين الاستقلال الاقتصادي كأساس للاستقلال السياسي.
5-افتقار البنية الأساسية التي تعتبر القاعدة الأساسية للانطلاق نحو البناء والتنمية الشاملة.
6-استقطاب المدخرات المحلية لمشروعات التنمية.
7-تطبيق النظام الاشتراكي أسرع في تحقيق معلات النمو الاقتصادي من النظام الرأسمالي مما دفع بعض الدول لاعتناق الاشتراكية.
أما عن دور القطاع العام في التنمية فقد أثبتت التجارب أنه لا سبيل إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول النامية عموما إلا بدور متزايد للدولة من أجل تنمية شاملة ومتوازنة ومستقرة تحقق لاقتصادياتها النمو المتسارع حتى تتمكن من الخروج من واقعها، لاسيما وأن الدول النامية عامةً والعربية خاصةً تعاني من مشاكل في هذا الصدد منها:
* انخفاض متوسط دخل الفرد.
* تردد القطاع الخاص من الاستثمارات في المشاريع التي تكفل حدوث انطلاقة تنموية.
* اتجاه رؤوس الأموال الخاصة إلى الاستثمارات في العائدات السريعة.
كان الاعتقاد السائد بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة في الستينات والسبعينات أن الدولة لديها القدرة على السيطرة على شروط وآليات تراكم رأس المال وتنمية الثروة القومية والتوسع في الأنشطة الإنتاجية، حيث بلغت نسبة النمو أو التراكم الأساسي للبلدان النامية عموما في الستينات حوالي 32% من الناتج المحلي الإجمالي.
تعد هذه المساهمة من المؤشرات الدالة على قدرة القطاع وكفاءة أدائه، وهذه المساهمة تختلف من دولة إلى أخرى لأسباب أهمها نوع النظام الاقتصادي القائم ودرجة تدخل الدولة، وحجم الإنفاق الحكومي، وقدرة القطاع الخاص ومستواه، وأخيراً معدلات توزيع الدخل بين المواطنين.
دكتور القانون العام ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان