درست في شبابي مذهب ديوجين اليوناني في الفلسفة الذي كان يجوب طرقات أثينا القديمة صباحاً حاملاً مصباحاً ويزعم أنه يبحث عن الحقيقة .. أهم ما خلصنا إليه في دراسته الجملة التي قالها “الناس تتكلم عن الكواكب ولا يعرفون الأرض تحت أقدامهم” .. في عز قوة الإسكندر الأكبر سأل الفيلسوف أن يطلب منه ما يشاء فأجابه بهدوء : أنت تحجب عني أشعة الشمس بظلك فلا تحرمني الشيء الوحيد الذي لا تستطيع منحي إياه .. كان يري أن الشمس هي الحقيقة الوحيدة في العالم..
في السبعينات تصورت واهما أن الصحافة ستكون طريقي للحقيقة بالبحث والحياد والمثابرة لكنها لم تكن كذلك بل صارت لعنة ونقمة مؤخراً .. مهنتي تعتمد علي الأسئلة .. لكن كيف تسأل والإجابات محرمة أو معلبة .. الأسبوع الماضي عشت في حيرة من امري بين ما تتداوله الصحف والمواقع وما أعلمه عن حقيقة الأمر .. سأبدأ بحكاية المرحوم البطل الشهيد أمين الشرطة الذي لقي مصرعه أمام نادي الجزيرة علي يد مريض نفسي هو هشام حازم نجيب .. قالت الكتائب الإلكترونية إنه إخواني – طالما قتل أمين شرطة – وأن الجماعة طلبت منه برهانا علي ولائه بأن يقتل أحد جنود البوليس أو الجيش ووالده رفض حضور التحقيقات معه .. رواية انطباعية مقززة .. فأبوه د.حازم نجيب استاذ بكلية العلوم .. عاش حياة قاسية لفشل ابنه دراسيا ولمرضه النفسي فقد حاول الانتحار عدة مرات قبل ذلك آخرها العام الماضي عندما طعن نفسه في بطنه وأنقذوه بمعجزة في مستشفي السلام..
المشكلة أن تشخيص مرضه كان أنه خطر علي نفسه فقط .. لكن كبار الأطباء النفسيين يقولون إنه من الممكن في لحظة ما وفجأة أن يتحول لخطورة علي الآخرين وكانت هي اللحظة التي قتل فيها الأمين .. أما لماذا لم يحضر أحد من أسرته التحقيق معه لأن والده توفي مصدوما في نفس اليوم.. الإخفاء فسر علي أنه إلهاء وتضخيم لدور الإخوان والمصريون يعرفون خطر الجماعة أكثر من أي مسئول..
حكايات أخري مثل سابقتها مثل المحافظ وزوجة مدير مكتبه والشريط المسرب الذي سري كالنار في الهشيم والحكومة صامتة .. وارد أنه مفبرك .. وجائز أنه تقليد لصوته ومدسوس .. لكن لا ينبغي أبدا الصمت الرسمي علي هذا ولابد من صدور تكذيب أو تغيير للمسئول فورا..
الصحافة لا يتولي أمرها الآن محترفون .. وبالتالي يبذلون جهداً فائقاً في تشويه خصوم وهميين مع أن هناك من هم أكثر خطورة .. فقد نبهني صديقي العالم د.نادر نور الدين إلي استغلال قنوات الإخوان لتصريحات وزير الري عن أن مصر من اكثر دول العالم جفافا وزعموا أن هذا معناه انتهاء نهر النيل .. وهذا غير صحيح فالجفاف هو علاقة بين ما يسقط علي أي بلد من أمطار وبين ما يتبخر من مياه بسبب حرارة الجو .. ولأننا بلد لا يسقط به أمطار فإن متوسط كميات المطر 20مم وإجمالي التبخير 2000 مم وبالتالي فالتبخير 200 ضعف الأمطار وبذلك نصنف كبلد جاف .. هذا خطأ وزير مفروض أنه متخصص وخطيئة صحفي يغطي الوزارة كان عليه تقديم تفسير لتصريح الوزير حتي لا يساء تفسيره ويصطاده المتربصون ..
.. ليس هناك عقل يبحث وراء الحقيقة وهكذا تظل غائبة سواء للإخفاء أو للإلهاء ,.. قلنا إن الصحافة الناضجة الحرة قادرة علي كشف الأخطاء .. لكننا نؤذن في مالطا .. لو كان هناك إعلام حقيقي لعرف كيف يتعامل مع فيديو المقاول الممثل بما ينبغي بدلا من تسويقه علي القنوات المشبوهة .. الكتائب الإلكترونية والإعلام الأمني لا يصلح في إدارة أزمة كهذه .. لو كان برنامج باسم يوسف – مثلاً – موجودا لعرف كيف يجنب الدولة حرجا .. خصوصاً أن من طبلوا بغباء بأنه إخوان أو عميل أساءوا للدولة لأنه يعمل مشروعات القوات المسلحة والرئاسة وخضع لفحوص امنية متعددة .. يا حبذا لو نفكر صح مرة وبالتالي سنرد صح ..
مفيش مانع نشتغل في الإعلام بدراسات جدوي وفن إدارة الأزمات , لأنه اتضح أن العشوائية في الاختيار ينتج عنها ضحالة في رد الفعل ..!!
وتبقي تغطية جنازة والدة د.نظيف رئيس الوزراء الأسبق والتي كان هناك شبه إجماع علي أنها لم تزد عن 5 أفراد .. الأسرة لم تعلن عن الوفاة بالصحف لأن الرجل يقاطع الإعلام تماما بعد تجربة سجنه كما أن الذين وصفوا العزاء بأنه كان قاصرا علي رجال مبارك أخطأوا أيضاً .. فقد حضر وزراء لم يعملوا معه مثل خالد عبدالعزيز وعاطف حلمي وياسر القاضي ووزيرا التموين والبترول الحاليين .. وإذا كان القصد هو تشويه المنتمين لنظام مبارك فاجعلوا هذا بعيداً عن حرمة الموتي ..
لابد أن نعد اعلاما حقيقيا بدون مليارات فقد ثبت فشلها ولكن بمحترفين .. للاسف نحن نسلم الشعب لاعلام الاخوان فيشكلون رأيا عاما بمنتهي الخبث بينما نماذجنا مخزية ولاأزيد ..لانريد العودة لايام 1967 عندما كنا ننصت لمونت كارلو ولندن وامريكا واسرائيل بعد فضيحة المرحوم أحمد سعيد الذي نستنسخه حاليا ..