ولأهمية الأمن الـمجتمعي بعامة فإن مسؤوليته تقع على عاتق كل إنسان يعيش على أرض الوطن من مواطنين ومقيمين فهم الذين سوف ينعمون بالراحة والطمأنينة فيه، وبالطبع فإن المسؤولية الأولى تقع على الأسرة؛ باعتبارها المنظمة أو المؤسسة الاجتماعية التي يخرج منها الـمواطن الصالح؛ لذا يجب على الأسرة أن تعي دورها تماماً تجاه أمن المجتمع، وأن تقوم بدورها المنشود في هذا الشأن.
وقبل أن نتكلم عن إسهام الأُسرة في تحقيق الأمن المجتمعي نقف وقفة عاجلة مع المقصود بالأُسرة في الإسلام حيث تتكون الأسـرة في المجتمع الإسلامي (في الغالب) من مجموعة أفرادٍ تجمعهم فيها ظروف المعيشة الواحدة؛ وتربطهم رابطةٌ شـرعيةٌ قائمةٌ على المودة والرحمة
الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، وتمثل الأساس الاجتماعي في تشكيل وبناء شخصيات أفراد المجتمع حيث تضفي على أبنائها خصائصها ووظيفتها.
والمجتمع بوجه عام يتكون من أسر ولم يوجد مجتمع عبر التاريخ أقام بناءه على غير الأسر وبذلك تعدّ الأسرة عنوان قوة تماسك المجتمع أو ضعفه لأنها مأخوذة من الأسر وهو القوة والشدة، فهي تمثل الدرع الحصين لأفرادها،
باعتبار أن كلا من الزوجين يعتبر درعا للآخر. إن المهام المنوطة بالأسرة منذ نشأتها عديدة منها ما هو تربوي أو اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي.
وقد أكدت مجريات الأحداث التي تشهده المجتمعات البشرية دور الأسرة الكبير في عملية استتباب الأمن وبسط الطمأنينة التي تنعكس آثارها على الأفراد والمجتمعات سلباً أو إيجابا.
وهذا ما يؤكد الحقيقة التي تقول إنّ قوة الأسرة هي قوة للمجتمع وضعفها ضعف له.
إن الأمن والأسرة يكمل أحدهم الآخر ويوجد بينهما الترابط الوثيق، وذلك أنه لا حياة للأسرة إلا باستتباب الأمن، ولا يمكن للأمن أن يتحقق إلا في بيئة أسرية مترابطة، وجو اجتماعي نظيف، يسوده التعاطف والتآلف، والعمل على حب الخير بين أفراده، كل ذلك ضمن عقيدة إيمانية راسخة، واتباع منهج نبوي سديد، هذا الإيمان هو الكفيل بتحقيق الأمن الشامل والدائم، الذي يحمي المجتمع من المخاوف، ويبعده عن الانحراف، وارتكاب الجرائم.
إن هذا الدور لا يتحقق إلا في ظل أسرة واعية تحقق في أبنائها الأمن النفسي، والجسدي، والغذائي، والعقدي، والاقتصادي، والصحي بما يشبع حاجاتهم النفسية والتي ستنعكس بالرغبة الأكيدة في بث الطمأنينة في كيان المجتمع كله وهذا ما سيعود على الجميع بالخير الوفير. تقصير الأسرة عن دورها الأساسي، أو تخليها عنه، إما جهلاً أو استخدامها وسائل وأساليب خاطئة في التربية كاستخدام أساليب التخويف والإذلال والتسلط، أو فرض الطاعة العمياء، أو استخدام أساليب التدليل والإفراط في التساهل والاتكالية، مما نتج عنه جنوح الأولاد وانحلالهم وتشردهم وضياعهم، مما أدى إلى تمرد الأبناء على الآباء والأسر والمتجمعات
غرس مفاهيم حب الوطن والانتماء وترسيخ معاني الوطنية في نفوس أفراد الأُسرة على مدى سنوات العُمر، فالوطن امتداد لحياة الآباء والأجداد واستمرار لهم ولمعنى حياتهم من خلال أبنائهم وأحفادهم في المستقبل،
شريطة أن يعي الأب والأم معنى الوطنية والانتماء على النحو الايجابي السليم دون تطرف أو عصبية مقيته؛ قبل أن ينقلوها إلى أبناءهم. وتذكير الأبناء دائماً بأن كل الخدمات والتسهيلات والمعطيات الحضارية التي يوفرها المجتمع إنما هي من أجل راحة المواطن وسعادته فالطرق والمطارات والمنتزهات والحدائق والمدارس والجامعات والمستشفيات … إلخ ليست سوى أمثلة على ما يقدمه الوطن لأبنائه من خدمات.
ويجب عليهم أن يدركوا كم تكلف هذه الخدمات حتى تصل إليهم ليستفيدوا منها ويستمتعوا بها، ويقدروا لوطنهم توفير مثل هذه الخدمات التي قد لا تتوفر بسهولة لأبناء مجتمعات أخرى، وبذلك تعزز الأسرة حب الوطن في نفوس الأبناء.
ضرورة تغيير الـمفاهيم السائدة والخاطئة لـمقياس الرجولة في ثقافة مـجتمعنا؛ فالظروف الزمانية والمكانية والأحوال وكثيرٌ من الـمفاهيم المجتمعية تتغير ولا تبقى على وتيرةٍ واحدة لأنها مرتبطة بعوامل اقتصادية وسياسية وأمنية وتوعوية وتعليمية ومعيشية … إلخ. وهذا معناه أن لكل زمان مقاييسه الخاصة ومفاهيمه العامة القابلة للتغير وللتبدّل في حياة أفراده.
ومساعدة الأبناء في الأُسرة على اختيار الرفقة الصالحة وتجنيبهم رفاق السوء إذ إن التربية الأُسرية لا يمكن أن تكتمل إذا كان في حياة الأبناء رفقةٌ سيئة يهدمون ما بناه الوالدان، فمعظم الجرائم وتعاطي المخدرات والعنف والانحراف الفكري يقف خلفه رفاق السوء.
لكن على الأبوين أن يدركا أن المنع وحده ليس كافياً؛ فهناك قاعدة قديمة لا تزال وستظل سارية المفعول وقوية التأثير في واقعنا وهي أن كل ممنوع مرغوب ولاسيما عند صغار السن الذين لا يُدركون كثيراً من جوانب وظروف الحياة بعامة.
والحرص على غرس مبدأ تعاون الأسرة مع أجهزة الشرطة والأجهزة الرقابية والضبطية والوقائية الأخرى لأن ذلك من شأنه أن يُسهم كثيراً من أمن وسلامة المجتمع، ولاسيما أن الأسرة بمثابة شرطي المجتمع الأول من خلال متابعتها لمدى التزام أبناءها وتطبيقهم للوائح والأنظمة في المجتمع، وتعويدهم على طاعة القوانين واحترامها والامتثال لأوامرها، والتبليغ عن الحوادث والجرائم والمخالفات، والمبادرة الى تقديم العون والمساعدة للجهات الأمنية عندما تطلبها، والحرص على تقديم المعلومات المفيدة لرجال الأمن ومن في حُكمهم. وهذا يؤكد أن الأمن مسؤولية تضامنية يشترك فيها الجميع
وبخاصةٍ أن رجال الشرطة ومن في حُكمهم يعملون من أجل أمن وسلامة المجتمع، ومهمة التعاون معهم تُعد واجباً وطنياً على كل فرد من أفراد المجتمع أن يؤديه، ومن المعروف أن أجهزة الأمن لوحدها غير قادرة مهما بلغت جاهزيتها على مكافحة الجريمة، ولابد من تعاون ومؤازرة مؤسسات المجتمع الأخرى وأولها الأسرة.
و إرساء مفهوم احترام النظام بين كل أفراد المجتمع ومختلف طوائفه، والحرص على الالتزام باللوائح والتعليمات في كافة أنشطتنا الحياتية المجتمعية على مستوى قواعد المرور، ولوائح وأنظمة العمل والعمال، وأنظمة السفر والإقامة، وقوانين الحفاظ على البيئة، واحترام حريات الآخرين والحرص على ممتلكاتهم ومصالحهم وسلامتهم انطلاقاً من مبدأ التعاون بين الجميع، وما يتبع ذلك من حفاظ على حقوق الأخرين.
ومن هنا فإنَّ الأمن الاجتماعي يعد مطلباً ملحاً ورافداً من روافد الأمن بمفهومه الشامل لا يمكن تجاهله، فهو الباعث على شعور الفرد والمجتمع بالطمأنينة والحماية، وتأسيساً على ذلك فإن الأسرة إذا باشرت تربية أبنائها تربية صالحة تحقق بذلك الأمن الاجتماعي لها وللمجتمع ككل.
كما أن من الأساليب التربوية الناجحة فتح الحوار مع البنين والبنات ومناقشتهم على النحو الذي يفتح الباب واسعاً لمعرفة قضاياهم ومشكلاتهم وإيجاد الحلول المناسبة لها بأسلوب مؤدب محترم، وألفاظ متخيرة، وجدال بالتي هي أحسن، وتصحيح ما قد يشوب أفكارهم من مفاهيم خاطئة، وإشراكهم في الأنشطة التي تنمي قدراتهم ومواهبهم وتعينهم على صلاح دينهم ودنياهم.
وثمة جانب مهم ينبغي التنبه له عند الحديث عن مسؤولية الأسرة في تحقيق الأمن الاجتماعي ألا وهو ترسيخ مبدأ التعاون باعتبار الأسرة جزءاً من المجتمع فيربى الأفراد على أنهم رجال أمن يهمهم أمر مجتمعهم؛ إذ من شأن ذلك أن يبعث في النفس روح المبادرة للتعاون مع رجال الأمن واحترامهم وتقديرهم بوصفهم مواطنين شرفاء يؤدون واجباً عظيماً وجهداً كبيراً في السهر على راحة المواطنين وأمنهم.
وفي هذا السياق أيضاً لا بد من بث روح المراقبة والخوف من الله في نفوس الناشئة فإن الرقابة الذاتية من أنجح الوسائل في تحقيق الصلاح والسعادة للأفراد والمجتمعات.
وجدير بالذكر أن مسؤولية الأسرة لا تنتهي ببلوغ أفرادها سناً معينة حيث تبقى حاجتهم للنصح والإرشاد التوجيه والمراقبة والمتابعة لا سيما في سنوات الشباب الأولى حيث لا يزال العود غضاً طرياً والتجربة لم تصل بعد حد النضج.
فإن دور الأسرة يظل كبيراً وضرورياً وبخاصة في هذا الزمن الذي كثرت فيه الملهيات والمؤثرات والصوارف والشواغل، وتعددت فيه وسائل الاتصال والاطلاع، الأمر الذي اختلطت معه الثقافات، وذابت بسببه الكثير من القيم والمبادئ.
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان