ليس كل من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي يملك خلفية ثقافية أو اقتصادية أو سياسية ليفرز الغث من السمين .. والصالح من الطالح .. حتي الصحفيين والإعلاميين المفروض أنهم كريمة المجتمع , ما أن يلمحوا مقالاً أو بوستا به نصائح للدولة أو نقدا للصالح العام إلا وتبدأ مباراة حامية الوطيس في تسفيه صاحبه والتطوع بتشويهه سواء يتعليمات أو تطوعاً .. لكن هؤلاء ليسوا خطراً علي المصريين فقد عرفوا بذكائهم الفطري أنهم يفعلون ما يؤمرون لا يستطيعون مراجعة أو مناقشة وفي النهاية غير مؤثرين في الرأي العام .. لكن الخطر الحقيقي في العيادات المفتوحة بدون ترخيص علي الفيس بوك تقدم النصائح .. وتؤكد النتائج .. وتستشهد علي ما تزعم بأقوال ليست فوق مستوي الشبهات….
في مقهي شهير بمصر الجديدة يمتاز بتقديم سحلب ساخن بالمكسرات قابلت طبيباً شهيراً من أصدقاء الثانوي لم أره منذ عشرة أعوام .. بعد التحيات قال فجأة .. المصريون يقتلون أنفسهم .. أجبته إنها حوادث فردية حتي الآن .. فاستغرب متسائلا ماذا تقصد .. استطردت حالات الانتحار أليس هذا ماتعنيه .. بسرعة نفي مؤكداً أن الفيس بوك سيدمر صحتهم تماما ويدفعهم للوفاة بأيديهم .. استزدته فزادني واسهب .. هناك مجموعات كثيرة علي الفيس لمرض السكر والضغط والقلب بالإضافة إلي عيادات التخسيس وأطباء تغذية يقدمون وصفات سحرية لعلاج أمراض الكلي والكبد وغيرها .. يؤكد الطبيب أن الهدف الأساسي لكل من يطرح دواء علي وسائل التواصل الاجتماعي هو تحقيق مكسب مادي..
وضرب مثالاً بطبيب أخصائي سمنة يستضيفه التلفزيون كثيراً ويشير إلي أدوية التخسيس الآمن التي تعلي سرعة الحرق وتفقد 16 كيلو جراما في شهر .. طبيعي أن يشتد الإقبال عليه فمعظم المصريين يعانون وزنا زائداً وحلمهم الأزلي والأبدي فقد عدة كيلو جرامات .. بمجرد أن تشاهد كليبا له وهو يتحدث عن الدواء الآمن فتفاجئ بمئات يسألونه عن السعر فيرسل مساعدوه عدة أسئلة للمستفسر عن الوزن والطول والعمر وإذا كانت هناك أمراض أخري .. بعد ان تكتب الإجابة تفاجئ بعدة ردود أو مجموعات مرتفعة الثمن لسد الشهية وحرق الدهون مع التأكيد علي أن هذه أسعار خاصة لفترة محدودة , أوكازيون علي الدواء مثل البلاك فرايداي للثلاجات والغسالات والكمبيوترات .. ويعيد ذلك تذكيرك بالرجل الذي يرتاد الموالد في الحسين والسيدة زينب في الخمسينات والستينات وفي يده زجاجه يروج لها قائلا “شربة الحاج محمود ..تشفي باذن الله المرض الموجود”
يؤكد الطبيب أن عيادته تشهد حالات انتكاسات كثيرة لاستخدام تلك الأدوية .. فدواء سد الشهية مثلاً لا يتلاءم مع مريض سكر يتعاطي أقراصاً أو انسوليناً .. يأخذ جرعة علاج السكر ومعاها حبة لسد الشهية فيصاب بغيبوبة نقص سكر وينقل للمستشفي في حالة متأخرة .. أيضاً بعض المرضي الذين يعانون من قصور بالكلية فبعض أدوية التخسيس يزيد معدل الكيرياتنين في الجسم المسئول عن تخليص الدم من السموم , وبالتالي تناول عقاقير الرشاقة من الفيس بوك أو استرشادا برسائل الماسنجر التي ترسلها عيادات الأطباء للمتلهفين ربما يؤدي إلي مضاعفات خطيرة قد تقتل المريض في النهاية..
إن منطق تسويق هذه الأدوية يعتمد علي ما اعتاده المصريون من وصف أدوية لبعضهم البعض في حالات الانفلونزا وآلام الأسنان والمفاصل وغيرها مع أن المبدأ الطبي الهام أن ما يصلح لمريض لا يصلح لآخر…
يشد صديقي الطبيب شعره الخفيف وهو يقول إن أعجب ما يراه هو مجموعات المصابين بمرض السكر الذي تشير الإحصائيات أن هناك ما بين 10% إلي 12% من السكان يعانون منه .. والسكر نوعان الأول المعتمد علي الانسولين والذي يصيب الأطفال والشباب والثاني الذي يصيب الكبار بعد الأربعين ويكون البنكرياس عنده “شغال” لكن يحتاج لتنشيط .. تفاجئ بفتاوي غبية من الأصدقاء لبعضهم .. فمريض ينصح الآخرين بالامتناع التام عن الكربوهيدرات واتباع نظام يسمي كيتو .. يستحثه أعضاء الجروب علي وصف الطعام اليومي ولا يتأخر .. هنا يموت المريض الذي يتعاطي الانسولين إذا امتنع عن الكربوهيدرات تماما فلابد له من قدر ضئيل حتي لا يصاب بالاسيتون وخلل في التمثيل الغذائي .. كل مريض له وزن معين ودواء يناسب عمره وحالته ولا يتم ذلك إلا في عيادة طبيب متخصص .. أما التطوع بأطعمة ووصفات بلدية فخاطئ تماماً .. لا تصدقوا من يقول إن السكر التراكمي بلغ 16 عنده وبعد الأكل 700 ثم انتظم بدون دواء مع رياضة يومية لمدة ساعة ونصف ونظام غذائي صارم .. ونفس الحال مع كريمات ازالة التجاعيد والام المفاصل والعظام..
وينفعل صديقي قائلاً تخيل مريض ذهب لطبيب قلب كبير وبعد عمل فحوصات واشعات أخبره أنه يحتاج جراحة لتغيير 3 شرايين فإذا بأصدقائه ينصحوه بألا يجريها لأن الدعامات تذوب وتسد الشرايين مرة أخري والغريب أن 85% من المرضي يصدقون تجارب أصدقائهم الجهلة أصحاب الفتاوي ولا يثقون بالأطباء..
وزيرة الصحة ومجلس النواب مطالبان بإلغاء الجروبات الصحية علي الفيس وعيادات التطوع ونقابة الأطباء عليها الاهتمام بمتابعة أعضائها ولفت نظرهم بدلاً من التركيز فقط علي الانتخابات..