كثير ما قلنا أن السياسة مصالح .. لا تعترف بتحالفات أو صداقات .. هي ساحة يتبادل فيها الأصدقاء والأعداء مواقعهم أكثر من مرة ويلبسون ثياباً مزركشة تخفي مطامعهم..
ما تفعله تركيا الآن من محاولة التدخل العسكري في ليبيا لا تختلف كثيراً عما اقترفته في سوريا .. فلا أحد أدان أو استنكر احتلال أنقرة لخمسين كيلو مترا من شمال سوريا رغم وجود قوات روسية المفروض أنها تحمي بشار الأسد ونظامه من السقوط .. أنظروا كيف تتغير الدنيا لقد اختارت واشنطن تركيا لتكون قاعدة حلف الأطلنطي في أثناء الحرب الباردة لتواجه وارسو مركز الحلف السوفيتي .. المعادلة العسكرية آنذاك إذا سقطت لندن وباريس بصواريخ موسكو فإن الأخيرة ستسقط أيضاً بقنابل نووية من القاعدة الأمريكية بانجليريك التركية ..
التواطؤ الغربي مع أنقرة قديم .. فكما هو معروف احتلت تركيا شمال قبرص وأعلنتها جمهورية تركية ومازات تحت الاحتلال .. لم تتصد القاعدتان الأمريكية والبريطانية في قبرص للغزو التركي عام 1974 .. صدرت عشرات القرارات من الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لإدانة الغزو ومازال الوضع كما هو عليه .. ثم أدخل الغرب تركيا إلي القضية الفلسطينية وقادت أنقرة تمثيلية فك الحصار عن غزة بسفينة الحرية وقافلة جورج جالاوي النائب البريطاني المرتشي من صدام حسين وسط هتافات وتأييد من صحفيين وناشطين مصريين وعرب مطالبة بإسناد قضية العرب الأولي إلي العثمانلية (مستعمرهم القديم)..
بعد الربيع العربي تغيرت الخريطة واختلطت المصالح .. فروسيا أصبحت تهتم بتركيا لأنها تريد مد خط غاز عبر أراضيها وتصديره لجنوب أوروبا وشمال إفريقيا .. في الوقت ذاته استغلت واشنطن أنقرة في اذكاء روح التوسع القديمة لها وصارت تضرب بها المثال الذي ينبغي أن تقتدي به الدول العربية باعتبارها نموذجاً ديموقراطياً إسلامياً ! وهكذا اقتربت تركيا من أمريكا التي رفعت في أواخر عهد بوش شعار الشرق الأوسط الكبير طامعة أن تكون هي مركزه مناصفة مع إسرائيل .. ثم عادت المناوشات تطفو علي السطح عندما دعمت واشنطن في آخر عهد أوباما الأكراد السوريين .. ولكنه كان خلافا بين الأحبة أو كما يقول المثل المصري الدارج “ضرب الغازية في حمارتها” .. انتهي الخلاف الشكلي مع أوباما وجاء تقارب فعلي مع ترامب الذي وافق ضمنا علي الغزو التركي لسوريا وتصفية قوات سوريا الديمقراطية صنيعة أمريكا نفسها..
لقد كان لتركيا ميليشيات في سوريا تحارب لإسقاط النظام , تماما كما لها الآن في ليبيا تقاتل للإبقاء علي نظام ذي شرعية منقوصة .. حكومة السراج بذاتها لغز فقد وافقت عليها الأمم المتحدة في ظل خواء السلطة في ليبيا واستقدمت عناصر ليبية معارضة وشكلت منهم الحكومة تماما كما فعلت واشنطن بعد غزو العراق 2003 عندما أتت بأحمد الجلبي وإياد علاوي..
التدخل التركي في ليبيا له عدة أسباب أولها لعابها الذي سال عند اكتشاف مصر واليونان وقبرص للغاز في المياه الإقليمية وشعورها بالغيظ من التحالف الثلاثي الذي قوي مصر نسبياً بانضمامه لدولتين من الاتحاد الأوروبي .. ثانيا استبعاد تركيا من الاتفاق الخماسي للتنقيب عن الغاز في شرق المتوسط الذي ضم مصر ولبنان وإسرائيل واليونان وقبرص .. ثالثاً المجال البحري لتركيا محدود ويقع في محيطه جزر كورفو وكريت اليونانيتين وطبقاً للقانون البحري الدولي لا يمكنها التنقيب هناك ولا تسطيع التعدي علي الحدود البحرية الاقتصادية لمصر فلجأت للاتفاقية العرجاء مع حكومة السراج .. وهي اتفاقية اقتصادية سياسية .. فتركيا عينها علي الغاز والطاقة بالمتوسط وبنفس القدر مهتمة بوجود الإخوان المسلمين بقوة في الجزائر وتونس والمغرب فلا بأس من إقامة خلافة إسلامية بزعامة أنقرة في شرق المتوسط .. ومؤخرا زار اسماعيل هنية رئيس حماس أنقرة مساهمة في احكام حلقة الاخوان المسلمين حولنا..
وفي الوقت ذاته التحكم في الممرات البحرية بمنطقة الشرق الأوسط إذا تمكن الإسلاميون من الحكم .. اماروسيا فقد تحالفت مع انقرة وزودتها بصواريخ اس اس 400 لانها ستتضرر من خط الغاز اليوناني الاسرائيلي الذي سينقل الطاقة لاوروبا ويخلصها من الاحتكار الروسي لتصدير الطاقة..
أوروبا وحلف الأطلنطي يهمهما محاصرة الوطن العربي بقوميتين متنافستين فارسية في الشرق وعثمانية غرباً .. مصر وجيشها وعلاقاتها الدولية وخبراتها الدبلوماسية التراكمية لن تجرفها إلي مواجهة عسكرية يرسموها لها ويتفرجون .. ثم يصبح الأمر الواقع “دائما” برعاية دولية وقوات طوارئ .. لكنها في الوقت ذاته تملك من الوسائل ما هو أقوي من بيانات الشجب والتنديد .. يكفي ملفات الإرهاب التي بحوزتها بالتمويل القطري والتخطيط التركي وكشف ذلك للدول الأوروبية بأنه حتي إذا حققت مكاسب اقتصادية وسياسية , فإن الإرهاب في شمال إفريقيا سيطول القارة العجوز سريعا كما طالها في تسعينيات القرن الماضي..
.. القوي اليمينة الصاعدة في أوروبا والنخب الشعبوبة وخطاب جونسون رئيس وزراء بريطانيا الذي لام فيه الإسلام السياسي وكان هو ضحيته أسريا حيث أعدم أتاتورك جده تستطيع فرملته .. من أوراق مصر اللوبي الأرمني في أمريكا وفي أوروبا وجماعات الضغط الرافضة لدخول أنقرة الاتحاد الأوروبي .. ورغم كل مظاهرة القوة التركية , فهي لن تستطيع عسكريا طبقاً للأرقام والإحصائيات مواجهة أساطيل مصر واليونان ذات التنسيق القتالي المشترك .. لا اعتقد اننا سندخل مباشره فى حرب على الارض الليبيه وانما سنقدم دعما لوجيستيا للجيش الليبى لان الدخول فى حرب مباشرة خطر لان ليبيا مستنقع حربى من يدخله لن يخرج منه وسيتورط فيه مثل اليمن لان المجتمع الدولى لا يريد لاى من الطرفين ان ينتصر بل يريد بقاء الحال كما هو عليه فى حاله نزاع دايم ليتمكنوا من نهب ثروات ليبيا والسيطره على المنطقه ولا يمكن للغرب وللروس ان يسيطروا على بلد هادىء مستقر.. وقي الله مصر من طيش العثمانلي وحماقة الكبار..