في ظل هذه الأيام الصعبة التي يمر بها العالم أجمع كثر تداول المواد الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية عن الدروس المستفادة من الفيروس كورونا . وكان أغربها بالنسبة لي أن أحدهم نصب فيروس كورونا خطيبا لصلاة الجمعة ، ووقف الفيروس على منابر جميع المساجد المنتشرة في العالم والتي تسبب في إغلاق أبوابها أمام المصلين ، وأخذ يلقي عشرات المواعظ .
والحقيقة أن جميع مواعظ الفيروس كانت فاضحة لأوضاع الغالبية العظمى من البشر اللذين جحدوا نعم الخالق سبحانه وتعالى ، وتخلوا عن إنسانيتهم التي فطرهم الله عليها ، وتحولوا إلى وحوش بشرية يقتلون بعضهم بعضا وينفقون الاف المليارات من الدولارات سنويا لإنتاج أشد الأسلحة فتكا وتدميرا .
فذكرت احصائيات تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن الانفاق العسكري العالمي بلغ 1.822 تريليون دولار عام 2018. وذكر التقرير السنوي للمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في ميونيخ ان النفقات العسكرية زاددت عام 2019 بنسبة 4 % بسبب تصاعد المنافسة العسكرية بين القوى الكبرى العالمية وهو ما اسماه لرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير “دينامية مدمرة” على المستوى العالم. وقال في افتتاح فتتاح مؤتمر ميونيخ للامن غام 2019 :” “سنة بعد سنة نبتعد من هدف التعاون الدولي الساعي لاقامة عالم سلمي لان فكرة التنافس بين القوى الكبرى تطبع واقع الكرة الارضية كلها”. وطبقا لاحصائيات معهد ميونيخ تصدرت امريكا حجم الانفاق العسكري العالمي عام 2019 الذي بلغ 685 مليار دولار ، تليها الصين بانفاق بلغ 250 مليار دولار.
ونتيجة تزايد الانفاق على السلاح تتزايد الحروب وتتزايد أعداد الضحايا من البشر. ويقول الباحث الباحث عصام حمدي أن 160 مليون انسان قتلوا في حروب القرن العشرين. وذكرت جريدة الشبيبة أن اكثر من نصف الضحايا وقع في 3 حروب فقط ، وكان اكثرها دموية الحرب العالمية الثانية (1939 -1945 ) وتسبب في مقتل حوالي 60 مليون انسان. والحرب الاهلية الروسية (1917-1923 ) وتسببت في مقتل 13 مليون انسان. والحرب العالمية الاولى (1914 – 1918 ) وقتل فيها حوالي 9 ملايين انسان. ووصف المؤرخ الفرنسي إيمانويل هشت، مدير القسم الثقافي في مجلة “الإكسبريس” الفرنسية القرن العشرين بانه قرن دموي ، واشرف على تاليف كتاب (الحروب العشرين التي غيّرت العالم) ووثق فيه شهادات 20 شاهدا على 20 حربا خلال 100عام.
ولا تقتصر ضحايا الوحوش الادمية على الحروب فقط ولكن الخلل في القدرات الاقتصادية العالمية مكن عدد قليل من الدول من احتكار المواد الغذائية خلف مئات الملايين من الجوعي ، وذكر مؤشر المجاعة العالمي لعام 2019، أن 822 مليون انسان يعانون من المجاعة و150 مليون طفل يعانون من التقزم بسبب سوء التغذية.
ومع تصاعد التنافس العسكري والاقتصادي ظهر الفساد في الارض وتخلى البشر عن مهمتهم الأصلية التي خلقهم الله من أجلها وهي إعمار الأرض وتعاون الجميع على العيش فيها بسلام. ويقول د. محفوظ ولد خيري في بحث بعنوان ( إعمار الأرض في الاسلام) أن القرآن الكريم أشارفي قصة بدء الخليقة والنشأة الأولى إلى أن أكبر مهدد لاستمرار الحياة الطبيعية على هذا كوكب الأرض يأتي من سفك الدماء والإفساد في الأرض، يقول سبحانه وتعالى في الآية30 من سورة البقرة: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} فالإفساد – هو ضد الإعمار – أكبر خطر يتهدد حياة البشرية.
فجاء الفيروس الضعيف ليكشف مكامن الضعف في العالم المعاصر ويفرض أضراره على جميع الدول الكبرى قبل الصغرى ،فهل تفيق البشرية وتعود الى رشدها ؟!.