رمضان شهر الدعاء وشهر الإجابة , وللصائم دعوة لا ترد , حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) بقوله : ” ثلاثة لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَيَقُولُ الرَّبُّ (عز وجل) وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين.
فالدعاء سلاح المؤمن , ومسلك الأنبياء والأصفياء، يقول أحد الحكماء : عجبت لمن ابتلي بالمرض كيف يغفل عن دعوة أيوب (عليه السلام) : ” أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” ، ومن ابتلي بالضيق كيف يغفل عن دعوة يونس (عليه السلام) : “لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ” ، وعجبتُ لمن ابتُـلي بخوفٍ كيف يغفل عن قول الله (عز وجل) : “حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ” ، وعجبتُ لمن ابتُـلي بمكرِ الناس كيف يغفل عن قوله (تعالى) : “وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ “.
وهذه دعوة إبراهيم (عليه السلام) لولده نرى بركتها إلى يوم القيامة, حيث دعا ربه (عز وجل) فقال : “رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ”, وحيث دعا ربه (عز وجل) فقال: “رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ” , وقال: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” , فاستجاب له ربه فجعل البلد آمنا والحرم آمنا والقلوب تهوي إليه من كل حدب وصوب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
وهذا نبي الله يوسف (عليه السلام) يدعو ربه فيقول : “رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ” , فيستجيب الله (تعالى) له : “فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”.
وهذا نبي الله أيوب (عليه السلام) يدعو ربه فيقـول : “أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ” , فتأتيه الإجابة: “فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ”.
وهذا نبي الله زكريا (عليه السلام) يدعو ربه فيقول : “رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا” , فيستجيب له ربه (عز وجل) فيقول : “فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ”.
والدعاء ليس سلاح الضعفاء كما يتوهم البعض , الدعاء سلاح الأقوياء الآخذين بالأسباب , المؤمنين بأن الأسباب لا تؤدي إلى النتائج بطبيعتها, إنما برحمة الله (تعالى) وعونه وسداده وإرادته وتوفيقه , يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) :” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو الله بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إثمٌ ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ بها إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يعجل لَهُ دَعْوَتَهُ ، وإمّا أن يَدَّخِرَها لَهُ في الآخرة ، وإمّا أن يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا. قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ . قَالَ: (الله أَكْثَرُ)”, فلا يظنن أحد أن الإنسان الذي يلجأ إلى ربه بالدعاء يرجع صفر اليدين ، بل لا شك أن نعمة الله عليه في القبول واسعة ، إما بإجابة دعوته ، أو أن يدفع عنه من السوء مثلها ، أو أن يدخرها له يوم القيامة ، وليكن بدء الدعاء بالصلاة على النبي (صلى الله عليه وسلم) ، ويختم بمثل ذلك، فإن الله (عز وجل) أكرم من أن يقبل الصلاتين ويرد ما بينهما والإجابة من الله (تعالى) .
فما أحوجنا إلى الدعاء المصحوب بالأمل لا باليأس ، ولابالإحباط ، ولا بالقنوط من رحمة الله (عز وجل) ، وإذا أردنا استجابة للدعاء فإن لذلك شروطًا وآدابًا ، من أهمها : الإيمان ، وحسن الظن بالله (تعالى) ، وطيب المطعم والمشرب والملبس ، فلما سأل سيدنا سعد بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَسُولَ الله (صلى الله عليه وسلم) فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله ، ادْعُ الله أَنْ يَجْعَلَنِي مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ ، قَالَ لَهُ (صلى الله عليه وسلم) : ” يَا سَعْدُأَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقْذِفُ اللُّقْمَةَ الْحَرَامَ فِي جَوْفِهِ مَا يُتَقَبَّلُ مِنْهُ عَمَلَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ نَبَتَ لَحْمُهُ مِنَ السُّحْتِ وَالرِّبَا فَالنَّارُ أَوْلَى بِه“.
وختاما نؤكد أن علينا أن نغتنم هذه الأيام المباركات في التضرع إلى الله (عز وجل) برفع الكرب والبلاء عن البلاد والعباد , ولا سيما عند الإفطار , وفي الأسحار , وعند قرآن الفجر “إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا”.