إن الإنتهازية وأوهام السلطان التى تسيطر على فكر أردوغان ، تجعل منه شخصية غوغائية، تسعى لإستغلال أى حدث وتوظيفة في الإطار الذى يخدم مصالحه وأهدافه الخبيثة ، ذلك الأمر الذى يكشف طبيعة شخصيته ويفضحها للعالم أجمع ، فهل يستطيع عقلك إستيعاب فكرة أن يقوم رئيس دولة ونظام يدعي الحضارة والمدنية، بالإستيلاء على شحنة مساعدات طبية وإنسانية متجهة لإنقاذ مرضى في دولة أخرى تفشى فيها وباء مثل كورونا ؟! .. صدق وأجعل عقلك يستوعب ، لقد فعلها قاطع الطريق أردوغان ، الذى أعاد للعالم من جديد عصابات قطاع الطرق التى كانت تستولى على البضائع والقوافل فى العصور القديمة ، فأردوغان هذا الشخص الذى لا تغيب عنه صفة النفعية الأنية في أبشع صورها لا يتورع إطلاقا فى أن يستغل جائحة مثل كورونا وإنشغال العالم بمكافحتها ومحاولة وقف إنتشار الفايروس المدمر بالعالم في أن يعبث بكل الفناءات الخلفية التي يظن أنها بعيدة عن المراقبة ، أو أن التاريخ سوف يتوقف ولن يسجل تلك الممارسات اللااخلاقية ، أو أن الدول التي أثكلتها ضربات كورونا الصحية والإقتصادية والإنسانية سوف تغمض العين عن مصالحها الإقتصادية أو حقوقها التي يحاول أردوغان الإنقضاض والتجاوز عليها من خلال “بلطجة الدولة التركية ” ، فكانت أخر تلك التجاوزات ما كشفته إيطاليا من أنها تتابع بقلق شديد أنشطة الحفر التركية غير القانونية في المياه القبرصية ، حيث أكد مصدر إيطالي رفيع المستوى لوكالة الأنباء القبرصية “سي إن ايه” ، أن بلاده تتابع بإهتمام وقلق بالغين التطورات المتعلقة بإرسال سفينة الحفر التركية “يافوز” إلى المنطقة الإقتصادية الخالصة لقبرص ، وأنها على إتصال وثيق مع السلطات القبرصية بشأن هذه المسألة ، لتقييم الوضع بعد أن تم الإعلان عن محاولة التنقيب غير القانونية لسفينة الحفر “يافوز” داخل المنطقة الإقتصادية الخالصة والجرف القاري لجمهورية قبرص في الرقعتين 6 و 7 ، اللتين منحتا تراخيص إستكشاف وحفر لإئتلاف شركتي “ايني” و “توتال” ، فتركيا تتصرف وكأنها واحدة من أصحاب المصلحة الرئيسيين في تطورات الطاقة في المنطقة ، بالتزامن مع تفشي وباء فايروسى قاتل .
وفي الوقت الذي أوقف العالم أجمع صراعاته وقامت الدول بتعليق الكثير من الأنشطة بسبب هذا الوضع المأساوى تستمر إنتهازية وبلطجة أردوغان ،فلا تتعجب ولا تندهش عندما تعرف ، أن هذه العملية المكلفة للغاية التى تضخ فيها تركيا الكثير من الأموال الأن هى لنشاط بدون عائد إقتصادي في الوقت الحالي ، في ظل إنهيار أسعار النفط ، كما أن شركة “إكسون موبيل” أجلت أنشطتها لمدة عام ، في حين تخطط شركتا ايني وتوتال في إعادة النظر في أنشطتهما في الرقعة 6 من المنطقة الإقتصادية الخالصة لقبرص بسبب الوضع الحالي .
ولكن التصرفات المخزية والمؤلمة التى تقوم بها السلطات التركية بأمر أردوغان لا تنتهى ، فكان أخرها منع ركاب طائرة تونسية من النزول على أراضيها في مطار إسطنبول لإجلاء عالقين ، بعد فشل السلطات التركية في تسريب إرهابيين ضمن قوائم المسافرين على الطائرة ، بعد أن كان مقررا أن تقوم الطائرة التونسية في طريق عودتها بإجلاء عدد من التونسيين العالقين بتركيا بعد قرار الرئيس التونسي قيس سعيد بإغلاق الحدود البرية والجوية والبحرية للحماية من فيروس كورونا نهاية مارس الماضي ، ولم توضح السلطات التركية الأسباب الحقيقية لمنع الطائرة التونسية من النزول رغم وجود إتفاق مسبق بين تونس وأنقرة على جميع حيثيات الرحلة وموعدها .
والمثير أيضا للريبة والشعور بأن من يتخذ مثل تلك القرارات هو شخص أهوج أخرق لايصلح أن يكون رجل دولة حقاً ، هو أن تواصل تركيا تكبد خسائر فادحة في البلدان التي تدخلت فيها عسكريا سواء بجنودها أو عبر مرتزقة ترسلهم للقتال دعما لمصالحها ، في الوقت الذى يواجه فيه أردوغان إنتقادات حادة بسبب سياسته الفاشلة في إنقاذ الإقتصاد التركى من شبح الإنهيار الذى بات وشيكا ، وتغليب الصالح العام للدولة التركية والمواطن التركى وتوجية كافة الجهود والإمكانيات والطاقات لمنع إنتشار فيروس كورونا كما فعلت مصر السيسى ، التى أبهرت العالم وأتبعتها فى ذلك جميع دول العالم ، حيث لاتنتهى مطالبات الأتراك لأردوغان بإستغلال طاقة الجيش لحماية مصالح تركيا في الداخل قبل الخارج على غرار عدة دول أخرى ولكن أردوغان دائما ما يغلب أطماعه وأهدافه الشخصية النفعية على الصالح العام للمواطن التركى والدولة التركية .
وقد أظهر تسجيل صوتي تم تداوله على مواقع التواصل الإجتماعي لأحد المقاتلين الذين أرسلتهم أنقرة إلى طرابلس ، وهو يتحدث عن ندم الجميع من القدوم إلى ليبيا وبأنهم تورطوا بذلك ، داعين الراغبين باللحاق بهم أن يتراجعوا عن قرارهم لأن “الوضع ليس جيد إطلاقاً ، فالأتراك تخلفوا عن دفع مستحقات المقاتلين البالغة 2000 دولار أميركي للشهر الواحد ، ويعكس هذا الإستياء الورطة التي أوجد أغبوغان نفسه فيها مع تزايد تداعيات أزمة إنتشار فيروس كورونا حول العالم وخاصة في تركيا التي تزداد المخاوف من خروج الوباء فيها عن السيطرة في ظل عجز الجيش عن المساعدة في مكافحة تفشيه أكثر بسبب بقاء عدد كبير من الجنود خارج الحدود التركية ، ذلك بالإضافة إلى مشاركة الجنود الأتراك في حروب سوريا وشمال العراق وتمركز أخرين في قواعد عسكرية في قطر لحماية تميم وزير مالية أردوغان وممول التنظيمات الإرهابية وتنظيم الإخوان ، كذلك الجنود التركية المتواجدة بالصومال ، فأردوغان قد ورط جنود بلاده فى ليبيا عندما قرر التدخل عسكريا على أراضيها في يناير الماضي وبشكل مباشر ليؤجج الصراع الليبى أكثر فأكثر ، حتى تنجح أهدافه الرامية إلى تعقيد الأزمة في الداخل الليبي الذى يعاني من ويلات الحرب والفوضى منذ 2011 وذلك عبر إرسال مرتزقة قال الجيش الوطني الليبي مؤخرا أنهم كانوا سببا في إنتقال عدوى فيروس كورونا بقاعدة معيتيقة قرب طرابلس .
بينما تسارع البلدان الغربية إلى سحب جيوشها من مناطق الحروب والعودة للتعبئة التي فرضها فيروس كورونا والمساعدة في الحد من إنتشاره ، لا يبدو الرئيس التركي مستعداً لإعلان هزيمته سريعا في ليبيا حتى لو كلفه الأمر التخلي عن المقاتلين الذين أرسلهم خدمة لمصالحه الشخصية هناك .
وعلى الرغم من تضرّر الدول الغربية بشدّة من الوباء الذى لا ينذر فقط بتغيير وجهة مواردها العسكرية بعيداً عن الصراعات الأجنبية بل يدفعها للتوقف عن ممارستها دور الوسيط في محادثات السلام بمناطق الصراعات ، إلا أردوغان وجنونه له رأي أخر .
فبرغم إعترافه مؤخرا بإصابة عدد من أفراد الجيش بالفيروس ووضعهم في الحجر الصحي لمدة 14 يوم ، وأيضا في الوقت ذاته التى أكدت تقارير إعلامية على أن قيادة الجيش التركي منحت أكثر من 10 آلاف جندي وضابط إجازة ، ورجحت بعض المصادر أن يكون الفايروس قد طال أفراد الشرطة أيضًا لأنهم لا يمتلكون أدوات العزل والحماية من الفيروس ، إلا أن أردوغان ذهب ليرسل شحنة معونات طبية ووقائية إلى الكيان الإسرائيلى الصهيوني لمساعدة شركائه فى مواجهة الفايروس ، تاركا المواطنين الأتراك يواجهون خطر الموت .
إن تصرفات أردوغان على كافة المستويات والأصعدة أقل ما توصف به أنها تصرفات جنونية لا تصدر من شخص مسئول يصلح رجل دولة ، فقد أصدر أوامره بإجراء عمليات “تخويف حكومي ” طالت مهنة الطب ، إلى حد الإستدعاء لمركز الشرطة وإستخدام أساليب الإرهاب التى تربى عليها أردوغان ضدهم ، بسبب تحذيراتهم المستمرة من خطر إنتقال فايروس كورونا إلى السجون ، الأمر الذي لم يفوته أردوغان صاحب الشخصية الإنتهازية وبدلا من الإفراج عن معتقلى الرأى قام بسن قانون يتيح الإفراج عن المسجونين الجنائيين وليس سجناء الرأي الذين يبلغ عددهم حوالي 300 ألف لإستخدامهم ضد معارضية لإرهابهم ، وهو ما قد يؤدى أيضا لإحتمال تفشي الجريمة بشكل غير مسبوق في تركيا بعد الإفراج عن اللصوص والقتلة دون مراعاة سجناء الرأي المعارضين وربما التضحية بهم مع ورود أخبار عن تفشي الفايروس في المعتقلات بشكل مرعب .
ويبدو أن إستشهاد المغنية التركية هيلين بولاك مؤسسة فرقة بوروم الموسيقية ذات الميول اليسارية بسبب الإضراب عن الطعام للمطالبة بإطلاق سراح سجناء الرأي في أوائل أبريل الجاري ، لن يكون أخر جرائم نظام أردوغان القمعي الذي منح المزيد من الصلاحيات لسجانيه منذ تفشي كورونا ليصلوا إلى مرحلة التوحش والإنتقام من المعارضة ، فقد أصبح أردوغان أكثر دموية ويفتقد للحد الأدنى من الإنسانية ، لأنه بات مذعورا لا يملك إلا التنكيل بمعارضيه ويتوقع السقوط في أي لحظة،خاصة بعد تداعيات كورونا .
إن من أبشع أفعال أردوغان في التعامل مع فايروس كورونا كانت تلك التى كشف عنها المعارض السياسي التركي ، الذى أعلن عن أن أعمال بناء المجمع الرئاسي الجديد لأردوغان لا تزال مستمرة بالرغم من تفشي الفايروس وإنتشاره داخل الحدود التركية ، وقال أنه لمن العار على الحكومة أن يموت أحد العاملين في هذا المجمع الرئاسي بسبب فايروس كورونا .
ربما يكون الهدف من كورونا وأردوغان هو تفتيت ما تبقى من قيَّم ثقافية مجتمعية وروابط عائلية في المنطقة ، وجعل الشعوب تتقبل الهجرة والدمار والخراب ، وربما ندخل في مرحلة جديدة من تفتت بعض النُظم والدول في العالم كما نرى الأن في أوروبا التي يتجه نجمها نحو الأقوى ، وبكل تأكيد لن ينجو المشرق من هذه التحولات والتغييرات التي ستطرأ عليه ، نتيجة إبتعادنا عن قيمنا المجتمعية والتي كانت السبب عبر التاريخ لتواجدنا وكانت هويتنا التي نفخر بها في ربوع الأرض ، وهذا ما يعمل عليه أردوغان من خلال نشر الخراب والتهجير والقتل بحق الجميع عربا وأكراد وأتراك وغيرهم من الجنسيات الذين قبلوا العمل كمرتزقة تحت عناوين ومسميات مختلفة مثل ” داعش ” وإخوتها ، في الشمال السوري أو في العراق ، أو ليبيا ، أو في الداخل التركي أيضا ، فكُلُّ هَمِّ أردوغان هو تحقيق حلمه الإمبراطوري العثمانلي ، حتى وإن كان ذلك على حساب المنطقة وخرابها برمتها ، ما نراه في عفرين وسري كانيه/ رأس العين وكري سبي/ تل أبيض وغيرها من المدن السورية ، وما نراه في طرابلس ليبيا أو عدن اليمن ، ليس سوى حقيقة أردوغان والمرتزقة الذين معه والذين تحولوا إلى مجرد أسلحة ومرتزقة مأجورة يتم إستثمارهم في كل مكان لإشعال نيران الصراعات والحروب والتدمير فى العالم .