يبدأ الشهر الفضيل هذا العام في ظروف استثنائية لم يعتادها جميع الأحياء مهما كبرت أعمارهم بسبب وباء فيروس كورونا . فللمرة الأولى يكون رمضان بلا صلاة الفروض والتراويح في المساجد وبلا موائد الرحمن الجماعية وبلا تجمع الاهل والاصدقاء على موائد افطار رمضانية في المنازل وبلا زيارات عائلية . وبلا مقاهي ومتنزهات ونوادي ، وبلا أسواق او مولات تجارية. بل وبلا التحية المعتادة بالشد على الأيدي والعناق احيانا فطبقا لتوضيات منظمة الصحة العالمية تقتصر التحية على التلويح أو الإيماء أو وضع اليد على القلب .
الملامسة مثل التلويح أو الإيماء أو وضع اليد على القلب، ومنع تجمع أعداد كبیرة من الأشخاص فى الأماكن المرتبطة بالأنشطة الرمضانية، مثل أماكن الترفيه والأسواق والمحلات التجارية.
ويأتي رمضان هذا العام في وقت يخلو فيه ،للمرّة الأولى في التاريخ الحديث، الحرم المكّي والحرم النبوي بالكامل من المصلّين، ويخلوا الحرمين الشريفين من ملايين المعتمرين الذين يحرضون على أداء العمرة وزيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم في الشهر الفضيل .
ولا يختلف أحد على ان هذا الوضع يمثل محنة كبيرة. فهل نترك أنفسنا نغرق في بحر المحنة، ونقضي وقت الشهر الفضيل في البكاء على سوء الأحوال ؟!. وأرى أن المنطق السليم أو العقل الرشيد يتطلب أن نسعى لتحويل المحنة الى منحة. ونسعى للاستفادة من دروس المحن كي نصحح أخطاء ارتكبناها أو نبتكر أعمالا ايجابية تساعدنا على تجاوز فترة الوباء وبناء مستقبل أفضل. وقد سبقنا منذ مئات القرون القاضي والفقيه والمعلم الحافظ بن حجر العسقلاني( المولود في مدينة الفسطاط بمصر عام 1371م – وتوفي بالقاهرة 1449م)، والذي توفيت ثلاث من بناته بالوباء فسعى لاستخلاص الدروس الايجابية فكتب كتابه الشهير (بذل الماعون في فضل الطاعون) الذي يركز فيه على تغيير طريقة التفكير والحكم على الأشياء.
فرغم هذه الظروف الاستثنائية والصعبة يجب علينا أن نعيش شهر رمضان الكريم كما أراده الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة من سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ). والتقوى لها معاني كبيرة وعظيمة ، وأبسطها ما ورد في التفسير الميسر أن يجعل الانسان بينه وبين المعاصي وقاية بطاعته وعبادته لله وحده. ويساعدنا الحظر على تحقيق هذا المعنى للتقوى بالبعد عن النظرة الحرام ، والكلام الحرام ، والسير في طريق الحرام.
ويرتبط الشهر الفضيل بالقرآن الكريم بإعتباره الدستور الرباني لضمان الحياة السعيدة للبشرية جمعاء وليس للمسلمين فقط . فقال سبحانه وتعالى في سورة … (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ) والحظر يوفر لنا الوقت الكافي لتلاوة القرآن الكريم وتدبرآياته. ونستثمر تواجد كل أفراد الاسرة في الجلوس معا في حلقة تلاوة منزلية يوميا بحيث يقرأ كل فرد صفحة أو صفحتين ثم يكمل الاخر ،ويتولى رب الاسرة أو الأكثر حفظا المراجعة ثم نختار بعض الآيات ونتوقف عند تفسيرها.
وللمزيد من تعظيم هذا الشهر لدي كل اصحاب الديانات السماوية قال الإمام أحمد بن حنبل ان هناك حديث نبوي شريف بان كل الكتب السماوية نزلت على الانبياء في رمضان وأورد رواية عن ابن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” أنزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من رمضان . وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان ، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان ، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان ” .
كما روي من حديث جابر بن عبد الله وفيه : أن الزبور أنزل لثنتي عشرة ليلة خلت من رمضان ، والإنجيل لثماني عشرة ، والباقي كما تقدم . رواه ابن مردويه .
واختم مقالي بدعاء يجب علينا تدبره كثيرا لانه يحمل معاني عميقة ، وهو دعاء الفقيه الراحل الشيخ الشعراوى، فكان يقول يرحمه الله: “أحمدك ربي على كل قضائك، وجميع قدرك، حمد الرضا لحكمك واليقين بحكمتك”.
Aboalaa_n@yahoo.com