ما زال هناك خلط بين الانتماء والولاء، عند كثير من الأفراد والمجتمعات، فهم لا يميزون بين الانتماء والولاء، ولا يفرقون بين هذين المعنيين، رغم أن الانتماء أقوى ارتباطاً بالأرض والوطن والهوية، فمثلاً الانتماء راسخ في جذور الجغرافيا والتاريخ والبيئة، وضارب في أعماق معنى الولاء الحقيقي للوطن، وبشكل لا يتزحزح أمام عاديات الزمن..
لكن البعض يخلط ويقول: ولائي للشخص الفلاني أو الدين أو المذهب أو الطائفة أو العائلة والقبيلة.. يُضعِف الإيمانَ ويمس بالانتماء لهوية الوطن والإخلاص له!
والولاء، كما تقول قواميس اللغة، يعني: القرب، والمحبة، والصداقة، والنصرة.. وهو يشير كمصطلح إلى تلك الرابطة العاطفية التي تربط الفرد بفئة أو جهة أو مؤسسة أو فكرة أو مذهب أو معتقد.. وبما أنها رابطة عاطفية فإنها تكون عن اختيار وعن رضا، ولا يقوم الدليل عليها إلا من خلال آثارها بخلاف الانتماء الذي يقوم على أسس ووقائع محددة ومعروفة سلفاً. وهناك تعريف جامع واضح، موجز وبليغ، لمفهوم الولاء، قاله الفيلسوف الأميركي جوزيا رويس،
الذي يرى أن الولاء هو «إخلاص شخص لموضوع إخلاصاً طوعياً وعملياً غير مشروط». ويمكن أن نستشف من هذا التعريف خصائص الولاء، فهو في أصله عاطفة وشعور يتمثل في الإخلاص، إلا أنه شعور تترتب عليه آثار عملية،
ولا يعتد به ما لم يتحول إلى واقع وسلوك، ثم إن هذا الإخلاص يكون طوعياً وعن اختيار ورضا، ولا يمكن أجبار أحد عليه، وهو إخلاص غير مشروط. بمعنى أن الولاء قيمة يتبناها الشخص لذاتها، وليس من أجل منفعة شخصية.
ولا شك أن الولاء يتجه إلى موضوع معين، فقد يكون ولاءً لدين أو وطن أو جماعة أو فئة أو شخص أو مؤسسة أو مهنة أو فكرة ما. وكثير من مناهجنا التربوية في العالم العربي تعلم مادة الوطنية، لكنها لا تفرق بين الانتماء والولاء، وربما يكون هذا قد أتى من خلفيات تاريخية وعائلية أو قبلية قبل تكوين الدول الحديثة، خلفيات فرضها الواقع في زمن مضى وأندثر وتلاشى، لذلك لابد الآن من التركيز على مثل هذه المفاهيم وإشاعة ثقافة المكان والولاء للوطن والأرض والشعب..
فهذا أكثر ثباتاً وتجرداً وإخلاصاً للتشبث بالأرض والتمسك بوحدة الوطن وهويته، وليس الولاء للحزب أو الطائفة أو شيخ الدين، لذا لابد أن يتلازم الانتماء للوطن مع الولاء لقيادته في كل الحالات والمقاييس والأدبيات، لأن الانتماء الحقيقي هو الالتصاق بالأرض والانسجام والتناغم في بوتقة هوية الوطن والانصهار والذوبان فيها، فـ«الدين لله والوطن للجميع»، والانتماء صفة نكتسبها بحكم الولادة والمنشأ في نفس المكان أو حتى الإقامة الدائمة، لذلك فهو صفة غير قابلة للتجزئة والتشرذم.
والانتماء في اللغة يتضمن معنى الانتساب للأرض والدفاع عنها، ويشير في المصطلح غالباً إلى تلك الرابطة الوثيقة بهوية الوطن بغض النظر عن الأيديولوجيا المتغيرة وتوجهاتها الفئوية الضيقة.
الهوية الوطنية في كل أمّة هي الخصائص والسمات التي تتميز بها، وتترجم روح الانتماء لدى أبنائها، ولها أهميتها في رفع شأن الأمم وتقدمها وازدهارها، وبدونها تفقد الأمم كل معاني وجودها واستقرارها، بل يستوي وجودها من عدمه، وهناك عناصر للهوية الوطنيّة لا بد من توفرها، وقد يختلف بعضها من أمّة لأخرى.
لان تشويه البنية المعرفية للمصريين، مسألة خطيرة وتأثيرها على حياة الناس والمجتمع كبير، وأن هذا التشوه يرتبط بأساليب التنشئة الاجتماعية التقليدية، وبنظم التعليم الضعيفة، كما يتضح أن الجماعات المتطرفة نجحت في فهم أسرار النفس البشرية، فاستغلت هذه المعرفة في صناعة التطرف والتعصب الديني عبر آليات عرفت مفاتيح تشغيلها. وتمكين الخطاب الديني الوسطي المعتدل ونشر مفاهيم الدين الصحيح بالمجتمع في مواجهة خطاب التشدد بكافة صوره،
إنّ للوعي بالهوية الوطنية والالتزام بها آثار عظيمة، تنعكس على الفرد والمجتمع والوطن بشكل عام،
ولا سيّما متى قام الكل الوطني بواجباته خير قيام، فثمرات ذلك أكثر من أن تحصى، تتمثل قوة في النسيج الاجتماعي، تعجز عن اختراقه مكائد الطامعين وأهواء الفاسدين، ونهضة في العلم والمعرفة، في شتى المجالات، وحدٍّ من الأمراض، وقوة في الاقتصاد، واستغلال جيد للعقول المبدعة، وتطوير دائم وبناء للوطن،
ولحوق بركب الحضارة، بل ريادة في مصاف الأمم، وهيبة للوطن والمواطن، إذا اعتز الكل بهويته الوطنية، فأحسن فهمها، وأجاد لغة التعبير عنها. فإن الدولة عليها عامل كبير لتعزيز قيم الولاء
والانتماء للوطن الغالي مصر، من خلال دمج الشباب في كافة مؤسسات الدولة، وتغيير شكل الخريطة الاعلامية، لعض كل ما هو يغرز في الشباب حب الوطن العزيز
وعلى التوالي يكون دور الإعلام والثقافة، إلى أن ينتقل الطلاب الى الجامعة وهنا لابد من تعزيز ما تم بنائه وتنميته ولكن بمهارة وأسلوب أكثر ذكاءً وحرفية، فيتم التعزيز من خلال نماذج محببة للطلاب من رياضيين وفنانين وعسكريين وقادة إلى جانب رجال الفكر وأساتذة الجامعة ويتم استخدام أسلوب الحوار والمناقشة والاستماع للطلاب الذين هم في مرحلة الشباب.
وليس هذا فقط ولكن علينا التركيز على تدريبهم على التفكير الناقد حتى ليقعوا فريسه للرأي الواحد والسمع والطاعة وعلينا استخدام استراتيجية الصراع المعرفى والمحاكمة العقلية من أجل تصحيح المفاهيم المغلوطة التى قد تكون تم تعلمها فى سنوات الطفولة سواء من الأسرة أو أحد المعلمين، أو حصل عليها من وسائل التواصل الاجتماعى، وهذا يتطلب أن نثبت لهم بالأدلة. ويجب أن نعطى لهم الفرصة ليبحثوا عن هذه الأدلة بأنفسهم حتى يشعروا بالأمن النفسي والثقة والحرية، وهذا يحتاج منا توفير زيارات ميدانية لهم لكل ما تم من إنجازات، ويحتاج شخصيات ذات ثقة، ويحتاج بيانات وإحصاءات وتقارير محلية ودولية، ويحتاج حربا على الفساد، ويحتاج حوار مع القيادة السياسة وهنا كاريزما القائد تضع اللمسات الأخيرة.
وهذا يا سادة ما يتم فى العالم كله، فتربية المواطنة وتنمية وتعزيز الانتماء والولاء للوطن علم وليس تكهنات، بل هو علم وأمانة وضمير أمة ما زالت في خطر.
يمكن تنمية وترسيخ هذا الولاء من خلال الوعي بالإرث الحضاري وما نتج من أحداث تاريخية مميزة للدولة ، وحكامها، ومواطنيها، وقيام الدعوة الإصلاحية التجديدية، وبناء الدولة على الإسلام بما يحقق الاعتزاز بالتميز الحضاري التاريخي وتنمية فكر الشاب ليكون دائماً فخوراً بتاريخه، قوياً أمام أي معلومات مغلوطة هدفها الإساءة إلى مجتمعه ومواطنيه من خلال اختزال تاريخ بلاده الضخم والثري والراسخ في أعماق التاريخ على أنه مجرد “بئر نفط في صحراء جرداء”، وضرورة إعداد الشباب للعمل والمشاركة الفاعلة في خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إلى جانب تعويدهم على التحلي بأخلاقيات المواطن الواعي،
وتنمية استعدادهم لتحمل المسؤولية تجاه أنفسهم، وتجاه مجتمعهم، وغرس روح المسؤولية لديهم، وغرس قيم العمل الجماعي كإحدى وسائل ترجمة الانتماء الوطني في سلوك الشباب، مع تعويدهم على كيفية التعامل بإيجابية مع التعددية الفكرية والثقافية والعرقية والسياسية والاقتصادية، لتنمية روح التسامح ورفض التعصب،
واحترام الآخر وقبول الاختلاف مع الغير. والجمع بين الأصالة والمعاصرة في جميع المناشط التي تنفذها المؤسسات التربوية والتعليمية في المجتمع، وبث روح العلم والإبداع، والتأكيد على قيم العلم ومنجزاته، والقدرة على التغيير والتغير، لتكون هي المنطلق الأساس للحفاظ على هويتنا الثقافية، وتحقيق بناء الاتجاهات الإيجابية نحو الهوية الوطنية السعودية العربية الإسلامية.
ولا يخرج مفهوم الوحدة الوطنية عن مفاهيم الولاء والانتماء والمواطنة، فجميعها تشكل منظومة واحدة تعني العلاقة بين الفرد والدولة، وما تتضمنه من حقوق وواجبات يعملون جميعاً لتحقيق مصلحة واحدة ومشتركة مهما اختلفت أيديولوجياتهم وتوجهاتهم الفكرية، ليمكن بعد ذلك الانطلاق نحو العالمية بروح الواثق الطموح الذي لا يخشى عليه من الاستلاب الحضاري.
—
دكتور القانون العام ومحكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان