أجمع كل الخبراء وعلماء التربية والتعليم على أهمية أضلاع المثلت في العملية التعليمية وهي المعلم والمنهج والطالب. وأتفق تماما مع الرؤية القائلة بأن المعلم يأتي في المقدمة وبضرورة الإهتمام بتأهيله بشكل جيد ، ثم توفير كل إحتياجاته لكي يتفرغ لمهمته المقدسة في بناء رجال المستقبل الذين يتحملون مسئولية النهضة بالأمة والحفاظ على هويتها ومقوماتها . وأرى أن المدرسة هي الضلع الرابع التي لا غنى عنه ، فهي التي يجتمع فيها المعلم والكتاب والطالب .ويظل الحضور فيها ضرورة حتى لو اضطررنا بسبب ظروف كورونا لتخفيض ساعات الحضور.
ولكني سأركز في مقال اليوم عن الكتاب المدرسي بإعتباره الأداة الرئيسية للمنهج التعليمي ، وستظل أهميته حتى لو نافسته الوسائل الإلكترونية الحديثة. والكتاب يعد أقدم وسيلة تعليميه يعود تاريخه إلى أكثر من 5 الاف عام منذ معرفة الكتابة اليدوية .وتزايدت أهمية الكتاب كوسيلة تعليمية رئيسية وتزايد إنتشاره بعد اختراع الطباعة. وذكرت أحدث الدراسات التربوية في الولايات المتحدة الأمريكية وهي أقوى دولة في العالم أن الكتاب المدرسي يستهلك 90 % من وقت التدريس.
وأجمعت الدراسات والأبحاث التربوية على أن الكتاب المدرسي يظل عصب العملية التعليمية وعمودها الفقري وبمحتواه تتطور العملية التعليمية وتتقدم المجتمعات . والكتاب المدرسي أداه فاعله لتنمية التفكير العلمي والبحثي ، وهو الوسيلة الميسرة للمتعلم يصاحبه في كل زمان وفي كل مكان ، ويسهل الرجوع إليه في أي وقت لدرجة أن البعض أطلق عليه اسم ” المعلم الصامت ” . والكتاب المدرسي وسيلة مرنة للتعلم ، يمكن استخدامه داخل الصف المدرسي وفي خارجه ، كما يمكن استخدامه في التعليم الفردي وفي التعليم الجماعي .
وأتفق تماما مع التعريف القيم التي وضعته الموسوعة العربية للكتاب المدرسي والذي يحدد أهميته في العملية التعلمية بكل دقة ويقول : ” يختلف الكتاب المدرسي عن الكتاب غير المدرسي في أنه كتاب تعليمي مخطط وهادف ومحدد، لا يحتوي على البيانات والمعلومات فقط ، إنما يحتوي هذه المعلومات مرتبة من السهل إلى الصعب ، ومن البسيط إلى المركب ، ومن المحسوس إلى المجرد مضافا إليها الأنشطة الصفية واللاصفية والتدريبات الضرورية التي تعد تقويما فوريا ومرحليا لا بد منها في العملية التعليمية “.
وبدأت عملية تقليص دور الكتاب المدرسي في مصر منذ أكثر من 30 عاما ، عندما ظهرت حملة مفتعلة عن ثقل الشنطة المدرسية على التلاميذ وتأثيرها الضار المزعوم على صحتهم البدنية. وعلى أثرها بدأ تخفيض عدد الكتب وتقليص محتواها بدعوى التركيز على الأنشطة التربوية غير المنهجية . رغم أنه طوال سنوات الدراسة التي خرجت الاف من علماء مصر المرموقين كان الكتاب هو الوسيلة الوحيدة للتعليم وكان لا يتعارض مع الأنشطة غير المنهجية.
منذ سنوات قليلة وبالتحديد من عام 2013 وتوجه التعليم رسميا لإلغاء الكتاب المدرسي والإعتماد على التابلت بزعم أنه وسيلة التعليم العصري . بدأ هذا التوجيه الدكتور محمود أبوالنصر وزير التربية والتعليم الأسبق، ويواصلها وزير التعليم الحالي الدكتور طارق شوقي.
وأثبتت التجارب خلال تلك السنوات فشل التابلت في الإحلال محل الكتاب المدرسي بسبب عاملين أساسيين أولها ضعف البنية التكنولوجية بشكل عام وإنعدامها تقريبا في الريف المصري ، وثانيا عدم تدريب المعلمين الطلاب على إستخدامه بالشكل الكافي . بالإضافة إلى الإستخدام السيئ لجهاز التابلت من جانب كثير من الطلاب بمشاهدة المواقع الإباحية والاستماع لأغاني المهرجانات بسبب ضعف الوعي.
ومن المهم هنا الإشارة الى رأي دكتورة عزة هيكل عميد كلية الإعلام واللغة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، التي انتقدت وزير التربية والتعليم قائلة : إن ما يفعله لا مثيل له في أي دولة في العالم ، وأن وجود الكتاب المدرسي أساسي الكثير من الدول المتقدمة وحذرت من إلغاء التفاعل المباشر مع المعلم والاكتفاء بالتعلم عن بعد.
و أكدت دكتورة عزة أن فرنسا وهولندا وكوريا واليابان أصروا على عودة الطلاب كل الأيام للمدارس وقالوا إن خطر التعليم عن بعد اشد فتكا بالأجيال القادمة من كورونا .. وكذلك البرلمان البريطانى تلقى مطالبة من المقاطعات الخمس البريطانية مصحوبا بتقرير اليونسكو عن مخاطر التعليم عن بعد وضرورة التعليم التقليدى فى المدارس.
والرأي الصحيح أن يظل الكتاب المدرسي وسيلة تعليم أساسية مع التدرج في استخدام التابلت والوسائل التكنولوجية الأخرى .