قد يتوقف بعض القراء الأعزاء عند جملة “مهنة غريبة” في العنوان ، وهنا أوضح بأن مهنة الجليس تعتبر غريبة فعلا على مجتمعنا المصري . فحتى سنوات قريبة كان المريض أو المقعد سواء كانا شابا أو مسنا يعيش بين أفراد الأسرة وكل أفرادها يتسابقون على رعايته وتوفيرسبل الراحة له . وكان أفراد الأسرة ينظمون نوبات فيما بينهم حسب ظرف عمل كل منهم بحيث يجد المريض المقعد أو المسن رعاية على مدار الـ 24 ساعة. وغالبا كان يتم شفاء المريض سريعا ، ويرجع خبراء الطب النفسي ذلك إلى معنوياته المريض العالية لتواجده وسط أسرة محبة تتمنى له الشفاء فتتزايد عنده الرغبة في استمرار الحياة وسط تلك الأجواء الأسرية المريحة . والاهتمام بنفسية المريض له أصل في ديننا الحنيف فقد أمر رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم أن نذكر الخير عند المريض، وأن نرفع من روحه المعنوية، ونطْمِعَهُ في الشفاء وفي طول العمر، فقد روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ فَنَفِّسُوا لَهُ فِي الأَجَلِ ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا، وَهُوَ يَطِيبُ بِنَفْسِ الْمَرِيضِ”.
وقد كان المسن بصفة خاصة يتلقى رعاية وإهتمام من الجميع عرفانا بدورة الكبير في تأسيس الأسرة وتربية الأبناء والأحفاد تربية حسنة. وتتزايد مستوى الخدمة والرعاية وتقديمها بكل رضا إنطلاقا من القيم الدينية التي تعتبر بر الوالدين ورعايتهما خاصة في حالة المرض فرض عين ، فقد قال الله تعالى في الآية 23 من سورة الإسراء ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ،إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا).
ويقول الدكتور راغب السرجاني :” الإسلام ينظر إلى المريض على أنه إنسان في أزمة، ومن ثم يحتاج إلى من يقف إلى جواره، ويأخذ بيده، ويرفع من معنوياته، ويهدِّئ من روعه، ويخفِّفُ عنه آلامه الجسدية، فضلاً عن المعنوية”.
أما في أيامنا هذه حيث إبتعد الغالبية العظمة عن القيم الدينية، وانشغلوا بالتنافس على الحياة الدنيا، وتفسخت العلاقات الأسرية وتفرق الأخوة والأهل، تحول المريض إلى عبء ثقيل حتى على على أقرب الناس إليه . ومن أجل التعويض عن إنشغالهم ، أو من أجل التحلل من عبء المريض يقررون الإستعانة بجليس بالأجر ليرافق المريض أو المسن على مدار الساعة .وبمجرد وصول الجليس ، والذي عادة ما يكون غير مؤهل لهذه المهنة واحيانا يكون أميا، يختفي جميع الأهل من حول المريض ويتركونه فريسة في يد الجليس يبتزه ويهينه ويسرقه .
وقد شكى لي أحد المسنين المقعدين من تسبب الجليس في زيادة آلامه لانه لا يعرف كيف يتعامل مع حالته المرضية ، ولايعرف كيف يعطيه الدواء ، بل انه ينام بالساعات الطويلة ويتركه يئن ولا يستجيب لاستغاثاته . وعندما سألته عن الأهل ومنهم أبناء واشقاء كي يحاسبون الجليس ، قال بكل حزن : ” لا يأتوني لزيارتي بالشهور ولا حتى يتصلون تليفونيا ، إنهم ينتظرون أن يبلغهم الجليس خبر وفاتي ليتخلصوا مني “.
وبسبب إهمال الأهل أو إنشغالهم أصبح الجليس مهنة ضرورية ، وقد اعترفت وزارة القوى العاملة بأنها أحدث مهنة في سوق العمل المصري. وبالتالي أصبح من الضرورة إنشاء قسم خاص بمعاهد وكليات التمريض لتخريج شباب وفتيات مؤهلين لهذه المهنة لتلبية طلبات المسنين والمقعدين من الجنسين ، وأن يتم افتتاح مكاتب مرخصة من وزارات( الصحة – القوى العاملة – التضامن ) لتشغيل الجليس أو الجليسه، وان تشكل هذه الوزرات فرق عمل لمراقبة عملهم .